مما لا يوهب لاحد من العالمين وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ثناء حسنا رفيعا فان لسان الصدق هو الثناء الحسن على ان يكون المراد باللسان ما يوجد به من الكلام ولسان العرب وإضافته من اضافة الموصوف الى الصفة اى يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته بقوله وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ اعلم ان فى الآيات إشارات منها الرفق وحسن الخلق فان الهادي الى الحق يجب ان يكون رفيقا فان العنف يوجب اعراض المستمع وفى الحديث (اوحى الله الى ابراهيم ان يا خليل حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فان كلمتى سبقت لمن حسن خلقه بان اظله تحت عرشى واسكنه حظيرة القدس وادنيه من جوارى) : قال الصائب
كذشت عمرو نكردى كلام خود را نرم ... ترا چهـ حاصل ازين آسياى دندانست
ومنها المتابعة قال ابو القاسم الطريق الى الحق المتابعة من علت مرتبته اتبع الكتاب ومن نزل عنهم اتبع الرسول عليه السلام ومن نزل عنهم اتبع الصحابة رضى الله عنهم ومن نزل عنهم اتبع اولياء الله والعلماء بالله واسلم الطرق الى الله طريق الاتباع لان سهل بن عبد الله قال أشد ما على النفس الاقتداء فانه ليس للنفس فيه نفس ولا راحة ومنها العزلة قال ابو القاسم من أراد السلامة فى الدنيا والآخرة ظاهرا وباطنا فليعتزل قرناء السوء واخدان السوء ولا يمكنه ذلك الا بالالتجاء والتضرع الى ربه فى ذلك ليوفقه لمفارقتهم فان المرأ مع من أحب قال بعض الكبار العزلة سبب لصمت اللسان فمن اعتزل عن الناس لم يجد من يحادثه فاداه ذلك الى صمت اللسان وهى على قسمين عزلة المريدين بالأجسام عن الأغيار وعزلة المحققين بالقلوب عن الأكوان فليست قلوبهم محالا لغير علم الله الذي هو شاهده الحاصل فيها من المشاهدة ونية اهل العزلة اما اتقاء شر الناس واما اتقاء شره المتعدى إليهم وهو ارفع من الاول إذ سوء الظن بالنفس اولى من سوء الظن بالغير واما إيثار صحبة المولى على صحبة السوي فاعلى المعتزلين من اعتزل عن نفسه إيثار الصحبة ربه فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره ولم يعرف أحد ما يعطيه الله من المواهب والاسرار والعزلة تعطى صمت اللسان لا صمت القلب إذ قد يتحدث المرء فى نفسه بغير الله ومع غير الله فلهذا حعل الصمت ركنا برأسه من اركان الطريق وحال العزلة التنزيه عن الأوصاف سالكا كاد المعتزل يكون صاحب يقين مع الله تعالى حتى لا يكون له خاطر متعلق بخارج بيت عزلته والهجرة سبب للعزلة عن الأشرار من هاجر فى طلب رضى الله أكرمه الله فى الدنيا والآخرة فعلى العاقل ان يجتهد فى تحصيل الرضى بالهجرة والخلوة والعزلة ونحوها: قال الصائب
در مشرب من خلوت اگر خلوت كور است ... بسيار به از صحبت ابناى زمانست
ومنها ان من فارق محبوبه ابتغاء لمرضاة الله تعالى فان الله تعالى يجعل له بدلا خيرا من ذلك وأحب فيأنس به ويتوحش عما الف به فيما مضى فيحصل الحل والعقد على مراد الله اللهم اجعلنا من المنقطعين إليك والمستوحشين عما سواك والسالكين الى سبيل الفناء والطالبين لرضاك وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى قدم ذكره على إسماعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب