فلا حاجة الى الاحتراز منه وثالثا بانه على طريق العدل فى عالم الكثرة الذي هو ظل وحدته فلا يسلط أحدا على أحد الا عن استحقاق لذلك بسبب ذنب وجرم ولا يعاقب أحدا من غير زلة ولو صغيرة نعم قد يكون لتزكية ورفع درجة فالمستفاد فى ضمن ذلك كله نفى القدرة عنهم وعن آلهتهم فلا حول ولا قوة الا بالله والله تعالى لا يظلم الناس مثقال ذرة وما يرى فى صورة الظلم فمن خفأ سره وحكمته والعارف ينظر الى الاسرار الإلهية ويحمل الوقائع على الحكم- حكى- انه كان رجل سقاء بمدينة بخارى يحمل الماء الى دار صائغ مدة ثلاثين سنة وكان للذلك الصائغ زوجة صالحة فى نهاية الحسن والبهاء فجاء السقاء على عادته يوما وأخذ بيدها وعصرها فلما جاء زوجها من السوق قالت ما فعلت اليوم خلاف رضى الله تعالى فقال ما صنعت فالحت فقال جاءت امرأة الى دكانى وكان عندى سوار فوضعته فى ساعدها فاعجبنى بياض يدها فعصرتها فقالت الله اكبر هذه حكمة خيانة السقاء اليوم فقال الصائغ أيتها المرأة انى تبت فاجعلينى فى حل فلما كان من الغد جاء السقاء وتاب وقال يا صاحبة المنزل اجعليني فى حل فان الشيطان قد أضلني فقالت امض فان الخطأ لم يكن إلا من الشيخ الذي فى الدكان فاقتص الله منه فى الدنيا وأمثال ذلك من عدل الله تعالى فليكن العباد على العدالة خصوصا الحكام والسلاطين فان العدل ينفع فى الدنيا والآخرة- حكى- ان ذا القرنين سأل من ارستطاليس أي شىء أفضل للملوك الشجاعة أم العدل فقال إذا عدل السلطان لم يحتج الى الشجاعة فمن آمن بالملك الديان وخشى من عذابه كل آن فقد عدل واحترز عن الظلم والطغيان وفاز بالدرجات فى أعلى الجنان والا فقد عرض نفسه لعذاب النيران بل ولعذاب الدنيا ايضا على أشد ما كان ألا ترى الى قوله تعالى حكاية وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ مع ماله من انواع اللعنة: قال السعدي قدس سره
نماند ستمكار بد روزكار ... بماند برو لعنت پايدار
خنك روز محشر تن دادكر ... كه در سايه عرش دارد مقر
وَلَمَّا [آن هنكام كه] جاءَ أَمْرُنا اى عذابنا فيكون واحد الأمور أو أمرنا بالعذاب فيكون مصدر امر نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وكانوا اربعة آلاف بِرَحْمَةٍ عظيمة كائنة مِنَّا اى نجيناهم بمجرد رحمة وفضل لا بأعمالهم لانه لا ينجو أحد وان اجتهد فى الأعمال والعمل الصالح الا برحمة الله تعالى كما هو مذهب اهل السنة وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ شديد وهو تكرير لبيان ما نجيناهم منه اى كانت تلك التنجية نتجية من عذاب غليظ وهى السموم التي كانت تدخل انوف الكفرة وتخرج من ادبارهم فتقطعهم اربا اربا وقد سبق تفصيل القصة فى سورة الأعراف فارجع إليها وفيه اشارة الى ان العذاب نوعان خفيف وغليظ فالخفيف هو عذاب الشقاوة المقدرة قبل خلق الخلق والغليظ هو عذاب الشقي بشقاوة معاملات الأشقياء التي تجرى عليه مع شقاوته المقدرة له قبل الوجود كما فى التأويلات النجمية- روى- ان الله تعالى لما أهلك عادا ونجى هودا والمؤمنين معه أتوا مكة وعبدوا الله تعالى فيها حتى ماتوا قال فى انسان العيون كل نبى من الأنبياء كان إذا كذبه قومه خرج