للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى باب التزكية فلا بد للعبد من دليل ومرشد يهتدى به الى مقصوده ومن لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان: قال الحافظ

بكوى عشق منه بي دليل راه قدم ... كه من بخويش نمودم صد اهتمام ونشد

والمرشد الكامل يزكى نفس السالك بإذن الله ويطهرها من دنس الالتفات الى ما سوى الله ويتلو عليه الآيات الانفسية والآفاقية ليكون من الموقنين ويغتنم النعيم الروحاني ويدخل في زمرة الصديقين فقوله تعالى وَيُزَكِّيهِمْ يشير الى السلوك والتسليك فاحفظ هذا وليكن على ذكر منك اللهم احفظنا من الموانع في طريق الوصول إليك فان كل رجاء في حيز القبول لديك وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ من استفهامية قصد بها الإنكار والتقريع ورغب في الشيء إذا اراده ورغب عنه إذا تركه اى لا يترك دين ابراهيم أحد ولا يعرض عن شريعته وطريقته إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ اى أذلها وجعلها مهينا حقيرا فانتصاب نفسه على انه مفعول به- روى- ان عبد الله ابن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا الى الإسلام فقال لهما قد علمتما ان الله تعالى قال في التوراة انى باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه احمد فمن آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون فاسلم سلمة وابى مهاجر فانزل الله هذه الآية وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا اى وبالله لقد اخترنا ابراهيم في الدنيا من بين سائر الخلق بالنبوة والحكمة وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ متعلق بقوله لَمِنَ الصَّالِحِينَ اى من المشهود لهم بالثبات على الاستقامة والخير والصلاح فمن كان صفوة العباد في الدنيا مشهودا له في الآخرة بالصلاح كان حقيقا بالاتباع لا يرغب عن عن ملته الا سفيه اى في اصل خلقته او متسفه يتكلف السفاهة بمباشرة افعال السفهاء باختياره فيذل نفسه بالجهل والاعراض عن النظر والتأمل فقوله وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ بشارة له فى الدنيا بصلاح الخاتمة ووعد له بذلك وكم من صالح في أول حاله ذهب صلاحه في مآله وكان فى الآخرة لعذابه ونكاله كبلعم وبرصيصا وقارون وثعلبة إِذْ قالَ لَهُ ظرف لاصطفيناه وتعليل له اى اخترناه في وقت قال له رَبُّهُ أَسْلِمْ اى أخلص دينك لربك واستقم على الإسلام واثبت عليه وذلك حين خرج من الغار ونظر الى الكوكب والقمر والشمس فألهمه الله الإخلاص قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ اى أخلصت دينى له كقوله إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الآية وقد امتثل ما امر به من الإخلاص والاستسلام واقام على ما قال فسلم القلب والنفس والولد والمال ولما قال له جبريل حين القى في النار هل لك من حاجة فقال أما إليك فلا فقال ألا تسأل ربك فقال حسبى بسؤالى علمه بحالي قال اهل التفسير ان ابراهيم ولد في زمن النمرود بن كنعان وكان النمرود أول من وضع التاج على رأسه ودعا الناس الى عبادته وكان له كهان ومنجمون فقالوا له انه يولد في بلدك في هذه السنة غلام يغير دين اهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه قالوا فامر بذبح كل غلام يولد فى ناحيته في تلك السنة فلما دنت ولادة أم ابراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة ان يطلع عليها فيقتل ولدها فولدته في نهر يابس ثم لفته في خرقة ووضعته في حلفاء وهو نبت في الماء يقال له بالتركى «حصير قمشى» ثم رجعت فأخبرت زوجها بانها ولدت وان الولد في موضع

<<  <  ج: ص:  >  >>