الثلاثة لم يطلق العزيز فكم من شىء يقل وجوده ولكن إذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسم عزيزا وكم من شىء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره ولكن إذا لم يصعب الوصول اليه لم يسم عزيزا كالشمس مثلا فانها لا نظير لها والأرض كذلك والنفع عظيم في كل واحدة منهما والحاجة شديدة إليهما ولكن لا توصفان بالعزة لانه لا يصعب الوصول الى مشاهدتهما فلا بد من اجتماع المعاني الثلاثة ثم في كل من المعاني الثلاثة كمال ونقصان فالكمال في قلة الوجود ان يرجع الى واحد إذ لا اقل من الواحد ويكون بحيث يستحيل وجود مثله وليس هذا الا الله تعالى فان الشمس وان كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في الإمكان فيمكن وجود مثلها والكمال في النفاسة وشدة الحاجة ان يحتاج اليه كل شىء في كل شىء حتى في وجوده وبقائه وصفاته وليس ذلك الكمال الا لله تعالى فهو العزيز المطلق الحق
الذي لا يوازيه فيه غيره والعزيز من العباد من يحتاج اليه عباد الله في أهم أمورهم وهي الحياة الاخروية والسعادة الابدية وذلك مما يقل لا محالة وجوده ويصعب إدراكه وهذه رتبة الأنبياء عليهم السلام ويشاركهم فى العز من يتفرد بالقرب من درجتهم في عصره كالخلفاء وورثتهم من العلماء وعزة كل واحد بقدر علو رتبته عن سواه في النيل والمشاركة وبقدر عنائه في ارشاد الخلق والحق ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأجل العلوم وأجل الأشياء هو الله تعالى ولا يعرف كنه معرفته غيره فهو الحكيم المطلق لانه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم إذ أجل العلوم هو العلم الأزلي الدائم الذي لا يتصور زواله المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها خفاء وشبهة ولا يتصف بذلك الا علم الله تعالى وقد يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها حكيما وكمال ذلك ايضا ليس الا لله تعالى فهو الحكيم المطلق ومن عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله تعالى لم يستحق ان يسمى حكيما لانه لم يعرف أجل الأشياء وأفضلها والحكمة أجل العلوم وجلالة العلم بقدر جلالة المعلوم ولا أجل من الله ومن عرف الله فهو حكيم وان كان ضعيف المنة فى سائر العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها الا ان نسبة حكمة العبد الى حكمة الله تعالى كنسبة معرفته الى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده عنه فهو انفس المعارف وأكثرها خيرا ومن اوتى الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وما يتذكر الا أولوا الألباب نعم من عرف الله كان كلامه مخالفا لكلام غيره فانه فلما يتعرض للجزئيات بل يكون كلامه جمليا ولا يتعرض لمصالح العاجلة بل يتعرض لما ينفع في العاقبة ولما كانت الكلمات الكلية اظهر عند الناس من احوال الحكيم من معرفته بالله ربما اطلق الناس اسم الحكمة على مثل تلك الكلمات الكلية ويقال للناطق بها حكيم وذلك مثل قول سيد الأنبياء عليه السلام. رأس الحكمة مخافة الله. الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله.
ما قل وكفى خير مما كثر والهى. السعيد من وعظ بغيره. القناعة مال ينفد. الصبر نصف الايمان.
اليقين الايمان كله. فهذه الكلمات وأمثالها تسمى حكمة وصاحبها يسمى حكيما انتهى كلام الغزالي ثم ان في الآية اشارة الى ان في إرسال الرسل حكمة اى مصلحة وعاقبة حميدة لان عمارة الظاهر وانارة الباطن ونظام العالم بهم لا بغيرهم ولورثتهم من الأولياء الكاملين حظ اوفى