لهم بعد ما عصوا فانها محرمة عليهم وَلا تَرْتَدُّوا لا ترجعوا عَلى أَدْبارِكُمْ اى مدبرين خوفا من الجبابرة فهو حال من فاعل لا ترتدوا ويجوز ان يتعلق بنفس الفعل اى ولا ترجعوا على أعقابكم بخلاف ما امر الله فَتَنْقَلِبُوا فتنصرفوا حال كونكم خاسِرِينَ اى مغبونين بفوت ثواب الدارين قالُوا اى بنوا إسرائيل عند امر موسى ونهيه غير ممتثلين لذلك يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ اى متغلبين لا تتأتى مقاومتهم والجبار العالي الذي يجبر الناس ويكرههم كائنا من كان على ما يريده كائنا ما كان فعال من جبره على الأمر اى أجبره عليه وذلك ان النقباء الاثني عشر الذين خرجوا لتجسس الاخبار وانتهوا الى مدينة الجبارين لما رجعوا الى موسى واخبروه بما عاينوا من قوتهم وشوكتهم وطول قدودهم وعظم أجسامهم وان الرجل من بنى إسرائيل ليدخل تحت قدمهم لعظمه ووسعته قال لهم موسى اكتموا شأنهم ولا تخبروا به أحدا من اهل المعسكر فيفشلوا فاخبر كل واحد منهم قريبه وابن عمه إلا رجلين وفيا بما قال لهما موسى أحدهما يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف فتى موسى والآخر كالب بن يوفنا ختن موسى على أخته مريم بنت عمران وكان من سبط يهودا فشاع الخبر بين بنى إسرائيل فلذا قالو ان فيها قوما جبارين وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها من غير صنع من قبلنا فانه لا طاقة لنا بإخراجهم منها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها بسبب من الأسباب التي لا تعلق لنا بها فَإِنَّا داخِلُونَ حينئذ قالَ رَجُلانِ كانه قيل هل اتفقوا على ذلك او خالفهم البعض فقيل قال رجلان وهما كالب ويوشع مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ الله تعالى دون العدو ويتقونه فى مخالفة امره ونهيه وهو صفة لرجلان أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بالتثبيت والوقوف على شؤونه تعالى والثقة بوعده وهو صفة ثانية لرجلان ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ اى باب بلد الجبارين وهو أريحا وتقديم الجار والمجرور عليه للاهتمام به لان المقصود انما هو دخول الباب وهم فى بلدهم اى باغتوهم وضاغتوهم فى المضيق وامنعوهم من البروز الى الصحراء لئلا يجدوا للحرب مجالا فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ اى باب بلدهم وهم فيه فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ من غير حاجة الى القتال فانا قد رأيناهم وشاهدناهم ان قلوبهم ضعيفة وان كانت أجسادهم عظيمة فلا تخشوهم واهجموا عليهم فى المضايق فانهم لا يقدرون فيها على الكر والفر وَعَلَى اللَّهِ خاصة فَتَوَكَّلُوا بعد ترتيب الأسباب ولا تعتمدوا عليها فانها بمعزل من التأثير وانما التأثير من عنايته العزيز القدير إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ به تعالى مصدقين لوعده فان ذلك مما يوجب التوكل عليه حتما قالُوا غير مبالين بقول ذينك الرجلين مصرين على القول الاول يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها اى ارض الجبابرة أَبَداً اى دهرا طويلا ما دامُوا فِيها اى فى ارضهم وهو بدل من ابدا بدل البعض لان الابد يعم الزمن المستقبل كله ودوام الجبارين فيها بعض منه فَاذْهَبْ الفاء فصيحة اى فاذا كان الأمر كذلك فاذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا اى فقاتلاهم انما قالوا ذلك استهانة واستهزاء به تعالى وبرسوله وعدم مبالاة بهما لا انهم قصدوا ذهابهما حقيقة لان من هو فى صورة الإنسان يستبعد منه انه يجوز حقيقة الذهاب والمجيء على الله تعالى الا ان يكون من المجسمة إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ