انشأ واخترع وانما شبه الاعادة بالابداء تقريرا لامكانها والقدرة عليها. يعنى قيسوا الاعادة بالابداء فلا تنكروها فان من قدر على الإنشاء قدر على الاعادة إذ ليس بعثكم أشد من ابتداء خلقكم فَرِيقاً منصوب بما بعده هَدى بان وفقهم للايمان وَفَرِيقاً نصب بفعل مضمر يفسره ما بعده من حيث المعنى اى وأضل فريقا حَقَّ عَلَيْهِمُ [سزاوار كشت بر ايشان] الضَّلالَةُ بمقتضى القضاء السابق التابع للمشيئة المبنية على الحكم البالغة إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تعليل لما قبله اى حقت عليهم الضلالة لاتخاذهم الشياطين اولياء وقبولهم ما دعوا اليه بدون التأمل فى التمييز بين الحق والباطل وكل واحد من الهدى والضلال وان كان يحصل بخلق الله تعالى إياه ابتداء الا انه يخلق ذلك حسبما اكتسبه العبد وسعى فى حصوله فيه وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ اى يظنون انهم على الهدى. وفيه دلالة على ان الكافر المخطئ والمعاند سواء من حيث انه تعالى ذم المخطئ الذي ظن انه فى دينه على الحق بانه حق عليه الضلالة وجعله فى حكم الجاحد والمعاند فعلم منه ان مجرد الظن والحسبان لا يكفى فى صحة الدين بل لا بد فيه من الجزم واليقين لانه تعالى ذم الكفار بانهم يحسبون انهم مهتدون ولو كفى مجرد الحسبان فيه لما ذمهم بذلك فعلى العاقل تحصيل اليقين وترك التقليد والاقتداء باصحاب التحقيق والتوحيد فان المرء لا يعرف حاله ومقامه الا بالتعريف: ونعم ما قال الصائب
واقف نميشوند كه كم كرده اند راه ... تا رهروان براهنمايى نمى رسند
وكل واحد من التقليد الباطل والشك والرياء وحب الدنيا وحب الخلق مذموم لا يجدى نفعا وعن ذى النون رضى الله عنه قال بينما انا فى بعض جبال لكان إذا برجل قائم يصلى والسباع حوله ترتبض فلما أقبلت نحوه نفرت عنه السباع فاوجز فى صلاته وقال يا أبا الفيض لو صفوت لطلبتك السباع وحنت إليك الجبال فقلت ما معنى قولك لو صفوت قال تكون لله خالصا حتى يكون لك مريدا قال فقلت فبم الوصول الى ذلك قال لا تصل الى ذلك حتى تخرج حب الخلق من قلبك كما خرج الشرك منه فقلت هذا والله شديد على فقال هذا أيسر الأعمال على العارفين فولاية الخلق مطلقا إذا كانت سبيلا للضلالة فما ظنك بولاية الشياطين سواء كانوا شياطين الانس او شياطين الجن فلا بد من محبة الله تعالى فويل لمن جاوز محبة الله تعالى الى محبة ما سواه وقد ذمه الله بقوله من دون الله نسأل الله تعالى ان لا يزيغ قلوبنا بعد ما هدانا الى محبته وأرشدنا الى طريق طاعته وعبادته يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الزينة وان كانت اسما لما يتزين به من الثياب الفاخرة الا ان المفسرين اجمعوا على ان المراد بالزينة هاهنا الثياب التي تستر العورة استدلالا بسبب نزول الآية وهو ان اهل الجاهلية من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وقالوا لا نطوف فى ثياب أصبنا فيها الذنوب ودنسناها بها فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة فامرهم الله تعالى ان يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا عند كل مسجد سواء دخلوه للصلاة او للطواف وكانوا قبل ذلك يدعون ثيابهم وراء المسجد عند قصد الطواف وفى تفسير الحدادي كانوا