ظاهر يا له والله تعالى إذا أراد بكاء عبده وحنينه الى جنابه ابتلاء بالفراق او بالجوع او بغيرهما كما لا يخفى على اهل القلوب وفى ذلك ترقيات له عجيبة وتجليات له غريبة قد شاهدت هذه الحال من بعض اهل الكمال وهاهنا سؤال وهو انه كيف يستقيم الاخبار فى الأزل عن إرسال نوح عليه السلام بلفظ الماضي ونوح وقومه لم يجد بعد والجواب ان هذا الاخبار بالنسبة الى الأزل لا يتصف بشئ من الازمنة إذ لا ماضى ولا مستقبل ولا حال بالنسبة الى الله تعالى واتصافه به انما هو بالنسبة الى توجه الخطاب للسامع فان كان معنى الكلام سابقا على توجه الخطاب له كان ماضيا وان كان معه او بعده فالحال او الاستقبال إِنِّي اى فقال لقومه انى لَكُمْ نَذِيرٌ مخوف مُبِينٌ مظهر وذلك الانذار على أكمل طرقه اى أبين لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص منه بيانا ظاهرا لا شبهة فيه ولم يقل وبشير لان البشارة انما تكون لمن آمن ولم يكن أحد آمن كما اقتصر على الانذار فى قوله تعالى قُمْ فَأَنْذِرْ تقديما للتخلية على التحلية أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ اى بان لا تعبدوا على انّ ان مصدرية والباء متعلقة بأرسلنا ولا ناهية اى أرسلناه ملتبسا بنهيهم عن الشرك قال فى التأويلات النجمية قال نوح الروح لقومه القلب والنفس والبدن ان لا تعبدوا الدنيا وشهواتها والآخرة ودرجاتها فان عبادة الله مهما كانت معلولة بشئ من الدنيا والآخرة فانه عبد ذلك الشيء لا الله على الحقيقة انتهى ولذا قالوا الرغبة فى الايمان والطاعة لا تنفع الا إذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه ايمانا وطاعة واما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيدة: قال الشيخ المغربي قدس سره
در جنت ديدار تماشاى جمالت ... باشد ز قصور ار بودم ميل بحورى
إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ يوم القيامة او يوم الطوفان. واليم يجوز ان يكون صفة يوم وصفة عذاب على ان يكون جره للجوار ووصفه بالأليم على الاسناد المجازى للمبالغة يعنى ان اسناد الأليم الى اليوم اسناد الى الظرف كقولك نهاره صائم واسناده الى العذاب اسناد الى الوصف كقولك جد جده والمتألم حقيقة هو الشخص المعذب المدرك لا وصفه ولا زمانه وإذا وصفا بالتألم دل على ان الشخص بلغ فى تألمه الى حيث سرى ما به من التألم الى ما يلابسه من الزمان والأوصاف فالاليم بمعنى المؤلم على انه اسم مفعول من الإيلام ويجوز ان يكون بمعنى المؤلم على انه اسم فاعل وهو صفة الله تعالى فى الحقيقة إذ هو الخالق للألم- روى- ان الله تعالى أرسل نوحا الى قومه فجاءهم يوم عيد لهم وكانوا يعبدون الأصنام ويشربون الخمور ويواقعون النساء كالبهائم من غير ستر فنادهم بصوت عال ودعاهم الى التوحيد ففزعوا ثم نسبوه الى الجنون وضربوه وكذبوه كما قال تعالى فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ اى الاشراف منهم الذين ملأوا القلوب هيبة والمجالس ابهة ووصفهم بالكفر لذمهم والتسجيل عليهم بذلك من أول الأمر لا لان بعض اشرافهم ليسوا بكفرة ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا لا مزية لك علينا نخصك من دوننا بالنبوة ووجوب الطاعة ولو كان كذلك لرأيناه فالرؤية بصرية والا بشرا حال من المفعول ويجوز ان تكون قلبية وهو الظاهر فالا بشرا