أمكنها ان تتلقى من عالمها بعض الغيب فلا يستبعد أن ترتقى أفق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة اى النفوس المجردة ولما كانت ارضية ضعيفة بالنسبة الى القوى السماوية تأثرت تلك القوى فرجمت بتأثيرها عن بلوغ شأوها وادراك مداها من العلوم ولا ينكر أن تشتعل أجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق وتهلك او تنزجر عن الارتقاء الى الأفق السماوي فتتسفل فانها امور ليست بخرجة عن الإمكان وقد اخبر عنها اهل الكشف والعيان الصادقون من الأنبياء والأولياء خصوصا أكملهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهى فى الوجود الإنساني لاستتارها فى غيب الباطن فَقالُوا لقومهم عند رجوعهم إليهم إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً اى كتابا مقروأ على لسان الرسول عَجَباً مصدر بمعنى العجيب وضع موضعه للمبالغة والعجيب ما خرج عن حد اشكاله ونظائره والمعنى بديعا مباينا لكلام الناس فى حسن النظم ودقة المعنى وقال البقلى كتابا عجيبا تركبه وفيه اشارة الى انهم كانوا من اهل اللسان قال عيزار بن حريث كنت عند عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فأتاه رجل فقال له كنا فى سفر فاذا نحن بحية جريحة تتشحط فى دمها اى تضطرب فان الشحط بالحاء المهملة الاضطراب فى الدم فقطع رجل منا قطعة من عمامته فلفها فيها فدفنها فلما أمسينا ونزلنا أتانا امرأتان من احسن نساء الجن فقالتا أيكم صاحب عمرو اى الحية التي دفنتموها فأشرنا لهما الى صاحبها فقالتا انه كان آخر من بقي ممن استمع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين كافرى الجن ومسلميهم قتال فقتل فيهم فان كنتم أردتم به الدنيا ثوبناكم اى عوضناكم فقلنا لا انما فعلنا ذلك لله فقالتا أحسنتم وذهبتا يقال اسم الذي لف الحية صفوان بن معطل المرادي صاحب قصة الافك والجنى عمرو بن خابر رحمه الله يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ الى الحق والصواب وصلاح الدين والدنيا كما قال عليه السلام اللهم ألهمنى رشدى اى الاهتداء الى مصالح الدين والدنيا فيدخل فيه التوحيد والتنزيه وحقيقة الرشد هو الوصول الى الله تعالى قال بعضهم الرشد كالقفل خلاف الغى يقال فى الأمور الدنيوية والاخروية والرشد كالذهب يقال فى الأمور الاخروية فقط فَآمَنَّا بِهِ اى بذلك القرآن ومن ضرورة الايمان به الايمان بمن جاء به ولذا قال بعضهم
داخل اندر دعوت او جن وانس ... تا قيامت امتش هر نوع وجنس
اوست سلطان وطفيل او همه ... اوست شاهنشاه وخيل او همه
وَلَنْ نُشْرِكَ بعد اليوم البتة اى بعد علمنا الحق بِرَبِّنا أَحَداً حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد اى لا نجعل أحدا من الموجودات شريكا له اعتقادنا ولا نعبد غيره فان تمام الايمان انما يكون بالبراءة من الشرك والكفر كما قال ابراهيم عليه السلام انى بريئ مما تشركون فلكونه قرءانا معجزا بديعا موجب الايمان به ولكونه يهدى الى الرشد موجب قطع الشرك من أصله والدخول فى دين الله كله فمجموع قوله فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا مسبب عن مجموع قوله انا سمعنا قرءانا عجبا يهدى الى الرشد ولذا عطف ولن