أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ [كمراه كرديد] عِبادِي هؤُلاءِ بان دعوتموهم الى عبادتكم وامرتموهم بها أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ عن السبيل بانفسهم لاخلالهم بالنظر الصحيح واعراضهم عن المرشد النصيح فحذف الجار وأوصل الفعل الى المفعول كقوله تعالى (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) والأصل الى السبيل او للسبيل يقول الفقير والظاهر انه محمول على نظيره الذي هو اخطأوا الطريق وهو شائع فان قلت انه تعالى كان عالما فى الأزل بحال المسئول عنه فما فائدة هذا السؤال قلت فائدته تقريع العبدة وإلزامهم كما قيل لعيسى عليه السلام (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) لانهم إذا سئلوا بذلك وأجابوا بما هو الحق الواقع تزداد حسرة العبيد وحيرتهم ويبكتون بتكذيب المعبودين إياهم وتبريهم منهم ومن أمرهم بالشرك وعبادة غير الله قالُوا استئناف كأنه قيل فماذا قالوا فى الجواب فقيل قالوا سُبْحانَكَ هو تعجب مما قيل لهم او تنزيه لله تعالى عن الانداد ويجوز ان يحمل ما يعبدون على الأصنام وهى وان كانت جمادات لا تقدر على شىء لكن الله تعالى يخلق فيها الحياة ويجعلها صالحة للخطاب والسؤال والجواب ما كانَ يَنْبَغِي لَنا اى ما صح وما استقام لنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ اى متجاوزين إياك مِنْ أَوْلِياءَ من مزيدة لتأكيد النفي واولياء مفعول تتخذ وهو من الذي يتعدى الى مفعول واحد كقوله تعالى (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) والمعنى معبودين نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له وهى العصمة او عدم القدرة فأنى يتصور ان تحمل غيرنا على ان يتخذ وليا غيرك فضلا عن ان يتخذنا وليا قال ابن الشيخ جعل قولهم ما كان ينبغى إلخ كناية عن استبعاد ان يدعوا أحدا الى اتخاذ ولى دونه لان نفس قولهم بصريحه لا يفيد المقصود وهو نفى ما نسب إليهم من إضلال العباد وحملهم على اتخاذ الأولياء من دون الله وفى التأويلات النجمية نزهوا الله عن ان يكون له شريك ونزهوا أنفسهم عن ان يتخذوا وليا غير الله ويرضوا بان يعبدوا من دون الله من الإنسان فلهذا قال تعالى فيهم (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ التمتع [برخوردارى دادن] اى ما أضللناهم ولكن جعلتهم وآباءهم منتفعين بالعمر الطويل وانواع النعم ليعرفوا حقها ويشكروها فاستغرقوا فى الشهوات وانهمكوا فيها حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ اى غفلوا عن ذكرك وتركوا ما وعظوا به او عن التذكر لآلائك والتدبر فى آياتك فجعلوا اسباب الهداية بسوء اختيارهم ذريعة الى الغواية وهو نسبة الضلال إليهم من حيث انه يكسبهم واسناد له الى ما فعل الله بهم فحملهم عليه كأنه قيل انا لا نضلهم ولم نحملهم على الضلال ولكن أضللت أنت بان فعلت لهم ما يؤثرون به الضلال فخلقت فيهم ذلك وهو مذهب اهل السنة وفيه نظر التوحيد واظهار ان الله هو السبب للاسباب.
وَكانُوا فى قضائك الأزلي قَوْماً بُوراً هالكين جمع بائر كما فى المفردات او مصدر وصف به الفاعل مبالغة ولذلك يستوى فيه الواحد والجمع يقال رجل بائر وقوم بور وهو الفاسد الذي لا خير فيه قال الراغب البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدى الى