ثم قتل يحيى قبل ان رفع عيسى الى السماء وَسَيِّداً عطف على مصدقا اى رئيسا يسود قومه ويفوقهم فى الشرف وكان فائقا للناس قاطبة فانه لم يهم بمعصية فيالها ما أسناها وَحَصُوراً اى مبالغا فى حصر النفس وحبسها عن الشهوات مع القدرة- روى- انه مر فى صباه بصبيان فدعوه الى اللعب فقال ما للعب خلقت. والحصور الممتنع من النساء مع القدرة عليهن وقد تزوج مع ذلك ليكون اغض لبصره وَنَبِيًّا اى يوحى اليه إذا بلغ هو مبلغه مِنَ الصَّالِحِينَ اى ناشئا منهم لانه كان من أصلاب الأنبياء عليهم السلام. والصلاح صفة تنتظم الخير كله والمراد به هنا ما فوق الصلاح الذي لا بد منه فى منصب النبوة البتة من أقاصي مراتبه قالَ عند نداء الملائكة إياه وبشارتهم له بالولد بالاستفهام متعجبا من حيث العادة ومسرورا بالولد رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي اى كيف يحصل لى غُلامٌ وفيه دلالة على انه خبر بكونه غلاما عند التبشير وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ اى أدركني كبر السن واثر فىّ وفيه دلالة على ان كبر السن من حيث كونه من طلائع الموت طالب للانسان لا يكاد يتركه قيل كان له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون وَامْرَأَتِي عاقِرٌ اى ذات عقر وعقيم لا تلد قالَ اى الله كَذلِكَ اشارة الى مصدر يفعل فى قوله تعالى اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ اى ما يشاء ان يفعله من تعاجيب الأفاعيل الخارقة للعادات. فالله مبتدأ ويفعل خبره والكاف فى محل النصب على انها فى الأصل نعت لمصدر محذوف اى الله يفعل ما يشاء ان يفعله فعلا مثل ذلك الفعل العجيب والصنع البديع الذي هو خلق الولد من شيخ فان وعجوز عاقر قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً اى علامة تدل اى تحقق المسئول او وقوع الحبل وانما سألها لان العلوق امر خفى لا يوقف عليه فاراد ان يطلعه الله عليه ليتلقى تلك النعمة الجليلة منه حين حصولها بالشكر ولا يؤخره الى ان يظهره ظهورا معتادا قالَ آيَتُكَ اى علامة حدوث الولد أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ اى ان لا تقدر على تكليمهم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ اى متوالية مع لياليها فان ذكر الليالى او الأيام يقتضى دخول الاخرى فيها لغة وعرفا وانما جعلت آيته ذلك لتخليص المدة لذكر الله وشكره قضاء لحق النعمة إِلَّا رَمْزاً اى اشارة بيد او رأس او نحوهما وسمى الرمز كلاما لانه يؤدى ما يؤدى الكلام ويفهم منه ما يفهم من الكلام فلهذا جاز الاستثناء المتصل منه ثم امره تعالى بذكره لعدم منعه عن ذكر الله فقال وَاذْكُرْ رَبَّكَ اى فى ايام الحبسة شكرا لحصول التفضل والانعام كَثِيراً اى ذكرا كثيرا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ اى سبحه تعالى اى من الزوال الى الغروب وَالْإِبْكارِ من طلوع الفجر الى الضحى قال الامام فى قوله تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً فيه قولان. أحدهما انه تعالى امر بحبس لسانه عن امور الدنيا إلا رمزا فاما فى الذكر والتسبيح فقد كان لسانه جيدا وكان ذلك من المعجزات الباهرة. والقول الثاني ان المراد منه الذكر بالقلب وذلك لان المستغرقين فى بحار معرفة الله تعالى عادتهم فى أول الأمر ان يواظبوا على الذكر اللساني مدة فاذا امتلأ القلب من نور ذكر الله سكتوا باللسان وبقي الذكر بالقلب ولذلك قالوا من عرف الله كل لسانه فكان زكريا عليه السلام امر بالسكوت باللسان والاستحضار معا فى الذكر والمعرفة