من اشتقاق المبيت لا المبيت لا يكون الا فى الليل والليل محل التجلي للعباد فانه فيه نزول الحق كما يليق وهو مظهر الغيب وهو محل التجلي ولباس الشمس كذلك البيت الحرام مظهر حضرة الغيب الإلهي وسر التجلي الوحدانى وسر منبع رحمة الرحمانية لأن الحق إذا تجلى لاهل الأرض بصفة الرحمة ينزل الرحمة اولا على البيت ثم تقسم منه فالبيت سر وحدانية الحق فجعل الحق حجة واحدة لا يتكرر وجوبه كتكرر سائر العبادات لاجل مضاهاته بحضرة الاحدية وفضل البيت على سائر البيوت كفضله سبحانه على خلقه والفضل كله لله تعالى فانوار جميع البيوت وفضائلها مقتبسة من نوره كما وردت الاشارة ان الأرض مدت من البيت وهو حقيقة الحقائق الكونية الشهادية فلذلك سميت مكة بام القرى شرفها الله تعالى وتقدس وفى التأويلات النجمية (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا) اى وناد فى الناسين من النفس وصفاتها والقالب وجوارحه بزيارة القلب للاتصاف بصفاته والدخول فى مقاماته يأتوك مشاة وهى النفس وصفاتها (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) وهو القالب وجوارحه يعنى يقصدون القلب بالأعمال الشرعية البدنية فانهم كالركبان لأن الأعمال البدنية مركبة بحركات الجوارح ونيات الضمير كما ان اعمال النفس مفردة لانها نيات الضمير فحسب (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) وهو سفل الدنيا لأن القالب من الدنيا واكثر استعماله فى مصالح الدنيا بالجوارح والأعضاء فردها الى استعمالها فى مصالح القلب إتيانها من كل فج عميق (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) اى ليحضروا وينتفعوا بالمنافع التي هى مستكنة فى القلب فاما النفس وصفاتها فمنافعها بتبديل الأخلاق واما القالب وجوارحه فمنافعهم قبول طاعاتهم وظهو آثارها على سيماهم ويذكروا اسم الله اى القلب والنفس والقالب شكرا على ما رزقهم من بهيمة الانعام بان جعل الصفات البهيمية الحيوانية مبدلة بالصفات القلبية الروحانية الربانية وبقوله (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) يشير الى ان انتفعوا من هذه المقامات والكرامات وأطعموا بمنافعها الطالب المحتاج والقاصد الى الله بالخدمة والهداية والإرشاد ثم ليقضوا الطلاب تفثهم وهو ما يجب عليهم من شرائط الارادة وصدق الطلب (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) فيما عاهدوا الله على التوجه اليه وصدق الطلب والارادة (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) اى يطوفوا حول الله بقلبهم وسرهم ولا يطوفوا حول ما سواه وأراد بالعتيق القديم وهو من صفات الله تعالى (ذلِكَ) اى الأمر والشان ذلك الذي ذكر من قوله (وَإِذْ بَوَّأْنا) الى قوله (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) فان هذه الآية مشتملة على الاحكام المأمور بها والمنهي عنها وهذا وأمثاله يطلق للفصل بين الكلامين او بين وجهى كلام واحد وَمَنْ [وهر كه] يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ جمع حرمة وهى ما لا يحل هتكه وهو خرق الستر عما وراءه اى أحكامه وفرائضه وسننه وسائر ما لا يحل هتكه كالكعبة الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام بالعلم بوجوب مراعاتها والعمل بموجبه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ اى فالتعظيم خير له ثوابا عِنْدَ رَبِّهِ اى فى الآخرة قال ابن الشيخ عند ربه يدل على الثواب المدخر لانه بطاعة ربه فيما حصل من الخيرات وفى الآية اشارة الى ان تعظيم حرمات الله هو تعظيم الله فى ترك ما حرمه الله عليه وتعظيم ترك ما امره الله به يقال بالطاعة