فهاجر الى الحبشة ناس من مخافة الفتنة وفرارا الى الله تعالى بدينهم منهم من هاجر الى الله باهله ومنهم من هاجر بنفسه وهى الهجرة الاولى فمن آمن بان طلب الله تعالى حق واجب هاجر من غير الله فهاجر من أفعاله القبيحة الطبيعية الى الافعال الحسنة الشرعية ومن الأوصاف الذميمة الى الأخلاق الحميدة ومن الوجود المجازى الى الوجود الحقيقي وبذل ماله ونفسه فى طلب الحق وترك كل باطل هو غير الحق: قال السيد البخاري قدس سره
هست تاج عارفان اندر جهان از چار ترك ... ترك دنيا ترك عقبا ترك هستى ترك ترك
وفى الحديث (كان فيما كان قبلكم رجل قتل تسعا وتسعين نفسا فسال عن اعلم اهل الأرض فدل على راهب فاتاه فقال انه قتل تسعا وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به المائة ثم سأل عن اعلم اهل الأرض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع الى أرضك فانها ارض سوء فانطلق حتى إذا بلغ نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه الى الله وقالت ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فاتاهم ملك فى صورة آدمي فجعلوه بينهم حكما فقال قيسوا ما بين الأرضين فالى أيتهما كان ادنى فهو لها فقاسوه فوجدوه ادنى الى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة) وفى رواية (فاوحى الله الى هذه ان تباعدى والى هذه ان تقربى) فان قلت الظاهر من الحديث انه قبلت توبة ذلك الرجل وهذا مخالف لما ثبت فى الشرع من ان حقوق العباد لا تسقط بالتوبة قلنا إذا تاب ظالم لغيره وقبل الله توبته يغفر له ذنب مخالفة امر الله وما بقي عليه من حق العبد فهو فى مشيئة الله ان شاء أخذ حقه منه والحديث من القسم الاول وعلى تقدير الإرضاء لا يكون ساقطا ايضا لاخذه عوضه من الله وفى الحديث استجاب ان يفارق التائب موضع الذنب والمساعدين ويستبدل منهم صحبة اهل الصلاح اللهم اجعلنا من المهاجرين والحقنا بعبادك الصالحين وَالَّذِينَ آمَنُوا بجميع ما يجب ان يؤمن به اجمالا وتفصيلا وَهاجَرُوا أوطانهم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبا لمرضاة الله وَجاهَدُوا الكفار والمجاهدة. والجهاد [با كسى كار زار كردن در راه خداى] فِي سَبِيلِ اللَّهِ هو دين الإسلام والإخلاص الموصلان الى الجنة ودرجاتها وَالَّذِينَ آوَوْا اى ضموا المؤمنين الى أنفسهم فى مساكنهم ومنازلهم وواسوهم يقال أويت منزلى واليه او يا نزلته بنفسي وسكنته واوّيته أنزلته والمأوى المكان فالايواء بالفارسية [جايكاه دادن] وَنَصَرُوا اى أعانوهم على أعدائهم فالموصول الاول عبارة عن المهاجرين الأولين والثاني عن الأنصار كما سبق أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ايمانا حَقًّا لانهم حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحق. فالآية الاولى مذكورة لبيان حكمهم وهو انهم يتوارثون ويتولى بعضهم بعضا فى الميراث. وهذه الآية مذكورة لبيان ان الكاملين فى الايمان منهم هم الهاجرون الأولون والأنصار لا غيرهم فلا تكرار لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ اى واسع كثير يطعمهم الله تعالى