خبره قوله لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ اى هى بعينها دار إقامتهم لا انتقال لهم منها على أن فى للتجريد لا للظرفية وهو ان ينتزع من امر ذى صفة امر آخر مثله مبالغة لكماله فيها كما يقال فى البيضة عشرون منا من حديد وقيل هى على معناها اى للظرفية والمراد أن لهم فى النار المشتملة على الدركات دار مخصوصة هم فيها خالدون جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ منصوب بفعل مقدر أي يجزون جزاء والباء الاولى متعلقة بجزاء والثانية بيجحدون وقدمت عليه لمراعاة الفواصل اى بسبب ما كانوا يجحدون بآياتنا الحقة او يلغون فيها وذكر الجحود لكونه سببا للغو وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم متقلبون فيما ذكر من العذاب رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ اى أرنا الشيطانين اللذين حملانا على الضلال بالتسويل والتزيين من نوعى الجن والانس لأن الشيطان بين جنى وانسى بدليل قوله شياطين الانس والجن وقوله من الجنة والناس ويقال أحدهما قابيل بن آدم سن القتل بغير حق والذي من الجن إبليس سن الكفر والشرك فيكون معنى أضلانا سنا لنا الكفر والمعصية كما فى عين المعاني ويشهد لهذا القول الحديث المرفوع ما من مسلم يقتل ظلما الا كان على ابن آدم كفل من دمه لأنه أول من سن القتل أخرجه الترمذي ويروى أن قابيل شدت ساقاه بفخذيه يدور مع الشمس حيث دارت يكون فى الشتاء فى حظيرة ثلج وفى الصيف فى حظيرة نار نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا اى ندسهما انتقاما منهما لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ اى ذلا ومهانة او نجعلهما فى الدرك الأسفل من النار تشفيا منهما بذلك ليكونا من الأسفلين مكانا وأشد عذابا منا وفى الآية اشارة الى أن النفوس إذا فنيت عن أوصافها بنار أنوار التجلي وذاقت حلاوة القرب تلتمس من ربها اطلاعها على بقايا الأوصاف الشيطانية والحيوانية التي جبلت النفوس عليها ليمكنها منها فتجعلها تحت أقدام همتها بافنائها فتعلوبها الى مقامات القرب ليكونا من الأسفلين وتكون من الأعلون وهذا انما يكون فى الترقي من مقام الى مقام إذ بقية المقام الأدنى لا تزول الا بالترقي الى المقام الأعلى وهكذا الى نهاية المقامات فعلى العبد ان يجتهد حتى يخرج من الدنيا مع فناء النفس لامع بقائها فانه إذا خرج منها بالفناء خلص من الجزع والا وقع فيه كما وقع الكفرة ولا فائدة فى الجزع يوم القيامة وفى الآية تنبيه على أن الأخلاء يومئذ أعداء فالخليل للمؤمن فى الدارين ليس الا الله وكان رجل له حبيب فتوفى فجزع عليه جزعا شديدا حتى صار مجنونا فذكر حاله لأبى يزيد البسطامي قدس سره فأتى اليه وهو مقيد فى دار المرضى فقال له ابو يزيد يا هذا غلطت فى الابتداء حيث أحببت الحي الذي يموت وهلا أحببت الحي الذي لا يموت فأفاق المجنون من جنونه واقبل على عبادة الله حتى صار من جملة الكبراء (وفى المثنوى)
چون ز علت وارهيدى اى رهين ... سركه را بگذار وميخور انكبين
تخت دل معمور شد پاك از هوا ... بروى الرحمن على العرش استوى
حكم بر دل بعد ازين بى واسطه ... حق كند چون يافت دل اين رابطه
يشير الى أنه لا بد من رياضة النفس الى أن تتخلص من العلة فما دامت العلة فلتقنع بالخل فاذا ذهبت فقد حكم عليها القلب وليس شأنه الا ابقاء الحلاوى واطعام اللذائذ بل لو طهر السر عما سوى الله