حسابه كما قال تعالى وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ ولما نبه عليه بقوله كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ وقوله يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ فالاولى هى القيامة والثانية الوقت القليل من الزمان مُشْفِقُونَ اى خائفون منها وقد سبق الإشفاق فى هذه السورة وتخصيص إشفاقهم منها بالذكر بعد وصفهم بالخشية على الإطلاق للايذان بكونها معظم المخوفات وَهذا اى القرآن الكريم أشير اليه بهذا إيذانا بغاية وضوح امره ذِكْرٌ يتذكر به من يتذكر مُبارَكٌ كثير الخير والنفع يتبرك به أَنْزَلْناهُ على محمد صفة ثانية لذكر او خبر آخر أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ انكار لانكارهم بعد ظهور كون انزاله كايتاء التوراة كأنه قيل أبعد ان علمتم ان شأنه كشأن التوراة فى الإيتاء والإيحاء أنتم منكرون لكونه منزلا من عندنا فان ذلك بعد ملاحظة حال التوراة مما لا مساغ له أصلا قال بعض الكبار كلام الله سبحانه فى نفسه مبارك وان لم يسمعه الجاهل ولكن مبارك على من يسمعه باستماع المحبة والشوق الى لقاء المتكلم ويعمل بمضمونه ويعرف إشارته ويجد حلاوته فى قلبه فاذا كان كذلك تبلغه بركته الى مشاهدة معدنه وهو رؤية الذات القديم وفى الحديث (ان الذي ليس فى جوفه شىء من القرآن كالبيت الخراب) وفى الحديث (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) يعنى لا تتركوا بيوتكم خالية من تلاوة القرآن فان كل بيت لا يقرأ القرآن فيه يشبه المقابر فى عدم القراءة والذكر والطاعة والى الله المشتكى من إهمال اهالى هذا الزمان فان ميل أكثرهم الى الاشعار وكلام اهل الهوى لا الى القرآن والهدى: قال الخجندي
دل از شنيدن قرآن بگيردت همه وقت ... چوباطلان ز كلام حقت ملولى چيست
وفى التأويلات النجمية النور الذي هو يفرق بين الحق والباطل بل بين الخلق والخالق والحدوث والقدم نور يقذفه الله فى قلوب عباده المخلصين من الأنبياء والمرسلين والأولياء الكاملين لا يحصل إلا بتكرار العلوم الشرعية لا بالأفكار العقلية وله ضياء وهو ذكر يتعظ به المتقون الذين يتقون عن الشرك بالتوحيد وعن الطمع بالشرع وعن الرياء بالإخلاص وعن الخلق بالخالق وعن الانانية بالهوية وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ لمن يتعظ به ويعلم ان الاتعاظ به انما هو من نور أَنْزَلْناهُ فى قلبه لا من نتائج عقله وتفكره أتنكرون على انه نور من هدايتنا- حكى- ان عثمان الغازي جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك انه كان من أسخياء زمانه ببذل النعم للمترددين فثقل ذلك على اهل قريته وأنكروا عليه فذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاجي بكتاش او غيره من الرجال فنزل ببيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام الله تعالى فقال ليس من الأدب ان نقعد عند كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم يزل الى الصبح فلما أصبح ذهب الى طريقه فاستقبله رجل فقال انا مطلبك ثم قال له ان الله تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط رأسها بمنديل وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل أول غزوته الى بلجك وفتح بعناية الله تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا ففى هذه الحكاية فوائد منها ان السلطنة اختصاص الهى كالنبوة