للشاب عظنى بشىء انتفع به فقال نحن اهل المصائب ليس لنا لسان العظة فاقمت عندهما ثلاثة ايام بلياليها لم نأكل فيها شيأ ولم نشرب فلما كان عشية اليوم الثالث قلت فى قلبى لا بد من سؤالهما فى وصية انتفع بها باقى عمرى فرفع الشاب رأسه الىّ وقال عليك بصحبة من يذكرك الله بنظره ويعظك بلسان فعله لا بلسان قوله ثم التفت فلم أرهما وانشد لسان الحال
شدوا المطايا قبيل الصبح وارتحلوا ... وخلفونى على الاطلال ابكيها
ثم ان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ومن أراد الله تعالى هدايته وسبقت منه له عناية يجذبه لا محالة الى باب ناصح له فى ظاهره وباطنه فبهتدى بنور العظة والتذكير الى مسالك الوصول الى الله الخبير فيترقى من حضيض هوى النفس التي تلعب كالصبيان الى اوج هدى الروح الذي له وقار واطمئنان وعلو شأن فهذه الآيات الكريمة تنادى على داء النفس ودوائها ومن الله الاعانة فى إصلاحها قُلْ أَنَدْعُوا أنعبد والاستفهام للانكار مِنْ دُونِ اللَّهِ اى متجاوزين عبادة الله تعالى ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا اى ما لا يقدر على نفعنا إذا عبدناه ولا على ضرنا إذا تركناه وهو الأصنام والقادر على النفع والضر هو الله تعالى وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا جمع عقب بالفتح وكسر القاف موخر القدم اى نرجع من الإسلام الى الشرك بإضلال المضل بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ الى الإسلام وأنقذنا من الشرك كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ حال من فاعل نرد اى أنرد على أعقابنا مشبهين بالذي ذهبت به مردة الجن الى المهامة وأضلته فِي الْأَرْضِ متعلق باستهوته حَيْرانَ حال من هاء استهوته وهو صفة مشبهة مؤنثه حيرى والفعل منه حاريحار حيرة اى متحيرا ضالا عن الطريق لَهُ أَصْحابٌ الجملة صفة حيران اى لهذا المستوي رفقة يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اى يهدونه الى الطريق المستقيم وسماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر مبالغة كأنه نفس الهدى ائْتِنا على ارادة القول على انه بدل من يدعونه اى يقولون له ائتنا شبه الله تعالى من أشرك وعبد غير الله مع قيام البرهان الفاصل بين الحق والباطل بشخص موصوف بثلاثة أوصاف الاول استهوته مردة الجن والغيلان فى المهامة والمفاوز والثاني كونه حيران تائها ضالا عن الجادة لا يدرى كيف يصنع والثالث ان يكون له اصحاب يدعونه قائلين له ائتنا فقد اعتسفت المهامة وضللت عن الجادة وهو لا يجيبهم ولا يترك متابعة الجن والشياطين. والجن أجسام لطيفة تتشكل باشكال مختلفة وتقدر على ان تنفذ فى بواطن الحيوان نفوذ الهواء فى خلال الأجسام المتخلخلة قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ الذي هدانا اليه وهو الإسلام هُوَ الْهُدى وحده وما عداه ضلال محض وغى بحت وَقل ايضا أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ اى بان نسلم فاللام بمعنى الباء والعرب تقول امرتك لتفعل وان تفعل وبان تفعل وَأَنْ اى بان أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ تعالى فالاسلام رئيس الطاعات الروحانية والصلاة رئيس الطاعات الحسمانية والتقوى رئيس ما هو من قبيل التروك والاحتراز عن كل ما لا ينبغى وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يجمعون يوم القيامة للحساب وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى العلويات والسفليات وما فيهما بِالْحَقِّ حال من فاعل خلق اى قائما بالحق والحكمة وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ يوم ظرف