أمرنا الذي هو مهاجرة الكفار والمثابرة على الطاعة رَشَداً إصابة للطريق الموصل الى المطلوب واهتداء اليه فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ اى حجابا يمنع سماعها اى أنمناهم على طريقة التمثيل المبنى على تشبيه الانامة الثقيلة المانعة عن وصول الأصوات الى الآذان بضرب الحجاب عليها وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها فى الحجب عن الشعور عند النوم لما انها المحتاجة الى الحجب عادة إذ هى الطريقة للتيقظ غالبا لا سيما عند انفراد النائم واعتزاله عن الخلق والفاء فى ضربنا كما فى قوله فاستجبنا له بعد قوله إذ نادى فان الضرب المذكور وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال وغير ذلك إيتاء رحمة لدنية خافية عن أبصار المتمسكين بالأسباب العادية استجابة لدعواتهم فِي الْكَهْفِ ظرف مكان لضربنا سِنِينَ ظرف زمان له عَدَداً اى ذوات عدد هى ثلاثمائة وتسع سنين كما سيأتى ووصف السنين بذلك اما للتكثير وهو الأنسب بإظهار كمال القدرة او للتقليل وهو الأليق بمقام انكار كون القصة عجبا من بين سائر الآيات العجيبة فان مدة لبثهم كبعض يوم عنده تعالى ثُمَّ بَعَثْناهُمْ اى أيقظناهم من تلك النومة الثقيلة الشبيهة بالموت وفيه دليل على ان النوم أخو الموت فى اللوازم من البعث وتعطيل الحياة والالتحاق بالجمادات لِنَعْلَمَ العلم هنا مجاز عن الاختبار بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به قطعا بل قد يكون لاظهار عجزه عنه على سنن التكاليف التعجيزية كقوله تعالى فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ وهو المراد هنا فالمعنى بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم أَيُّ الْحِزْبَيْنِ اى الفريقين المختلفين فى مدة لبثهم بالتقدير والتفويض كما سيأتى- وروى- عن ابن عباس رضى الله عنهما ان أحد الحزبين الفتية والآخر الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك وذلك لان اللام للعهد ولا عهد لغيرهم واى مبتدأ خبره قوله أَحْصى فعل ماض اى ضبط لِما لَبِثُوا اى للبثهم فما مصدرية أَمَداً يقال ما امدك اى منتهى عمرك اى غايته فيظهر لهم عجزهم ويفوضوا ذلك الى العليم الخبير ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم من حفظ أبدانهم واديانهم فيزدادوا يقينا بكمال قدرته وعلمه ويستبصروا به امر البعث ويكون ذلك لطفا لمؤمنى زمانهم وآية بينة لكفارهم. والأمد بمعنى المدى كالغاية فى قولهم ابتداء الغاية على طريق التجوز بغاية الشيء عنه فالمراد بالمدى المدة كما ان المراد بالغاية المسافة وهو مفعول لا حصى والجار والمجرور حال منه قدمت عليه لكونه نكرة فاحصى فعل ماض هنا وهو الصحيح لا افعل تفضيل لان المقصود بالاختيار اظهار عجز الكل عن الإحصاء رأسا لا اظهار أفضل الحزبين وتمييزه عن الأدنى مع تحقق اصل الإحصاء فيهما قال فى التأويلات النجمية أَمْ حَسِبْتَ اشارة الى النبي صلى الله عليه وسلم اى انك ان حسبت أَنَّ احوال أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا اى من آيات إحساننا مع العبد عَجَباً فان فى أمتك من هو اعجب حالا منهم وذلك ان فيهم اصحاب الخلوات الذين كهفهم الذي يأوون اليه بيت الخلوة ورقيمهم قلوبهم المرقومة برقم المحبة فهم محبى ومحبوبى والواح قلوبهم مرقومة بالعلوم اللدنية: قال الحافظ