المستنكف والمستكبر والمقر والمطيع فيجازيهم فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ اى ثواب أعمالهم من غير ان ينقص منها شيأ أصلا وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بتضعيفها أضعافا مضاعفة وبإعطاء ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا اى عن عبادته تعالى وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ بسبب استنكافهم واستكبارهم عَذاباً أَلِيماً وجيعا لا يحيط به الوصف وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى غيره تعالى وَلِيًّا يلى أمورهم ويدبر مصالحهم وَلا نَصِيراً بنصرهم من بأسه تعالى وينجيهم من عذابه. واحتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الأنبياء عليهم السلام وقال مساقه لرد النصارى فى رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضى ان يكون المعطوف وهو ولا الملائكة المقربون أعلى درجة من المعطوف عليه وهو المسيح حتى يكون عدم استنكافهم مستلزما لعدم استنكافه عليه السلام. وأجيب بان مناط كفر النصارى ورفعهم له عليه السلام عن رتبة العبودية لما كان اختصاصه عليه السلام وامتيازه عن سائر افراد البشر بالولادة من غير اب وبالعلم بالمغيبات وبالرفع الى السماء عطف على عدم استنكافه عن عبوديته عدم استنكاف من هو أعلى درجة منه فيما ذكر فان الملائكة مخلوقون من غير اب ولا أم وعالمون بما لا يعلمه البشر من المغيبات ومقامهم السموات العلى ولا نزاع لاحد فى علو درجتهم من هذه الحيثية وانما النزاع فى علوها من حيث كثرة الثواب على الطاعات كذا فى الإرشاد. قال فى التأويلات النجمية عند قوله تعالى لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
ما ذكرهم للفضيلة على عيسى وانما ذكرهم لان بعض الكفار قالوا الملائكة بنات الله كما قالت النصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قال تعالى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى بل فضل الله المسيح عليهم بتقديم الذكر لان المسيح نسب اليه بالنبوة ونسبت الملائكة اليه بالبنتية وللذكر فضيلة وتقدم على الإناث كقوله تعالى فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فقدم الله الذكر على الأنثى وجعل له سهمين وللانثى واحدا فكما ان للذكر فضيلة على الأنثى فكذلك للمسيح فضيلة على الملائكة وفضيلته على الملائكة اكبر وأعظم يدل عليه ما صح عن جابر رضى الله عنه ان النبي عليه السلام قال (لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة يا رب كما خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة قال الله تعالى لا اجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحى كمن قلت له كن فكان) وانا أقول ومن فضيلة عيسى على الملائكة انه اجتمع فيه ما كان شرفا لآدم لانه من ذريته من قبل الام وما كان شرفا للملائكة إذ قال له ايضا كن فكان فقد وجد فى عيسى ما لم يوجد فى الملائكة ولم يوجد فى الملائكة شىء لا يوجد فى عيسى فافهم جدا انتهى كلام التأويلات. واعلم ان أعظم الاستنكاف عن عبادة الله تعالى الشرك والاعراض عن توحيده كما ان اصل الأعمال التوحيد والايمان ثم ان الكبر من اكبر السيئات ولذا ورد فى بعض الأحاديث مقابلا للايمان قال عليه السلام (لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ولا يدخل النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من ايمان) : قال السعدي قدس سره