لِإِيلافِ قُرَيْشٍ متعلق بقوله تعالى فليعبدوا وهو قول الزجاج والفاء لما فى الكلام من معنى الشرط إذ المعنى ان نعم الله عليهم غير محصورة فان لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة فالايلاف تعدية الألف مصدر من المبنى للمفعول مضاف الى مفعوله الاول مطلقا عن المفعول الثاني الذي هو الرحلة كما قيد به فى الإيلاف الثاني يقال الفت الشيء بالقصر وآلفته بالمد بمعنى لزمته ودمت عليه وما تركته فيكون كل من الألف والإيلاف لازما ويقال ايضا آلفته غيرى بالمد اى ألزمته إياه وجعلته يألفه فيكون متعديا قال فى تاج المصادر الإيلاف الف دادن والف كرفتن. وضد الإيلاف والإيناس هو الايحاش وقيل متعلق بما قبله من قوله فجعلهم كعصف مأكول ويؤيده انهما فى مصحف ابى رضى الله عنه سورة واحدة بلا فصل فيكون الإيلاف بمعنى الالف اللازم فالمعنى أهلك الله من قصدهم من الحبشة لان يألفوا هاتين الرحلتين ويجمعوا بينهما ويلزموا إياهما ويثبتوا عليهما متصلالا منقطعا بحيث إذ فرغوا من ذه أخذوا فى ذه وبالعكس وذلك لان الناس إذا تسامعوا بذلك الإهلاك تهببوا لهم زيادة تهبب واحترموهم فضل احترام فلا يجترئ عليهم أحد فينتظم لهم الا من فى رحلتيهم وكان لقريش رحلتان يرحلون فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام فيمتارون ويتجرون وكانوا فى رحلتيهم آمنين لانهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وذلك ان قريشا إذا أصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله الى موضع وضربوا على أنفسهم خباء حتى يموتوا وكانوا على ذلك الى ان جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه فقام خطيبا فى قريش فقال انكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتذلون وأنتم أهل حرم الله واشرف ولد آدم والناس لكم تبع قالوا نحن تبع لك فليس عليك منا خلاف فجمع كل بنى اب على الرحلتين فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام لان بلاد اليمن حامية حارة وبلاد الشام مرتفعة باردة ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات فما ربح الغنى قسم بينه وبين فقرائهم حتى كان فقيرهم كغنيهم فجاء الإسلام وهم على ذلك فلم يكن فى العرب بنوا اب اكثر مالا ولا أعز من قريش وكان هاشم أول من حمل السمراء من الشام وقريش ولد النضر بن كنانة ومن لم يلده فليس بقرشي سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة فى البحر تعبث بالسفن وتقلبها وتضربها فتكسرها ولا تطاق الا بالنار فشبهوا بها لانها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى والتصغير للتعظيم فكانه قيل قريش عظيم وقال بعضهم الاوجه ان التصغير على حقيقته لانه إذا كان القرش دابة عظيمة والقرش مع صغر حجمه جعل قرشا فهو لا محالة قريش وفيه ان جعل قريش قريشا لم يكن لمناسبة الحجم بل كان لوصف الآكلية وعدم المأكولية ووصف الغلبة وعدم المغلوبية وهذان الوصفان يوجد ان فى تلك الدابة على وجه الكمال