للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل العذاب الحريق ذلِكَ اى يقال له يوم القيامة ذلك الخزي فى الدنيا وعذاب الآخرة كائن بِما قَدَّمَتْ يَداكَ بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصي واسناده الى يديه لما ان الاكتساب عادة بالأيدي ويجوز ان يكون الكلام من باب الالتفات لتأكيد الوعيد وتشديد التهديد وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ محله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف اى والأمر انه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم فان قلت الظاهر ان يقال ليس بظالم للعبيد ليفيد نفى اصل الظلم ونفى كونه مبالغا مفرطا فى الظلم لا يفيد نفى أصله قلت المراد نفى اصل الظلم وذكر لفظ المبالغة مبنى على كثرة العبيد فالظالم لهم يكون كثير الظلم لاصابة كل منهم ظلما لان العبيد دال على الاستغراق فيكون ليس بظالم لهذا ولا ذلك الى ما لا يحصى وايضا ان من عدله تعالى ان يعذب المسيئ من العبيد ويحسن الى المحسن ولا يزيد فى العقاب ولا ينقص من الاجر لكن بناء على وعده المحتوم فلو عذب من لا يستحق العذاب لكان قليل الظلم منه كثيرا لاستغنائه عن فعله وتنزيهه عن قبحه وهذا كما يقال زلة العالم كبيرة وفى المرفوع (يقول الله تعالى انى حرمت الظلم على نفسى وحرمته على عبادى فلا يظلمون) يقال من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلاكه وفناؤه وشر الناس من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم وفى الآية اشارة الى ان العبيد ظلامون لانفسهم كما قال الله تعالى (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بان يضعوا العبادة والطلب فى غير موضعه: قال المولى الجامى

قصد ما ابروى تست از سجده در محرابها ... كز نباشد نيت خالص چهـ حاصل از عمل

واعلم ان جدال المنافق والمرائى واهل الأهواء والبدع مذموم واما من يجادل فى معرفة الله ودفع الشبه وبيان الطريق الى الله تعالى بالعلم بالله وهدى نبيه عليه السلام وشاهد نص كتاب منير يظهر بنوره الحق من الباطل فجداله محمود قال بعضهم البحث والتفتيش عما جاءت به السنة بعد ما وضح سنده يجر الباحث الى التعمق والتوغل فى الدين فانه مفتاح الضلال لكثير من الامة يعنى الذين لم يرزقوا باذهان وقادة وقرائح نقادة وما هلكت الأمم الماضية الا بطول الجدال وكثرة القيل والقال فالواجب ان يعض بأضراسه على ما ثبت من السنة ويعمل بها ويدعو إليها ويحكم بها ولا يصغى الى كلام اهل البدعة ولا يميل إليهم ولا الى سماع كلامهم فان كل ذلك منهى شرعا وقد ورد فيه وعيد شديد وقد قالوا الطبع جذاب والمقارنة مؤثرة والأمراض سارية: قال المولى الجامى قدس سره

بهوش باش كه راه بسى مجرد زد ... عروس دهر كه مكاره است ومحتاله

بلاف ناخلفان زمانه غره مشو ... مرو چوسامرى از ره ببانگ كوساله

فى كلام اهل البدعة والأهواء كخوار العجل فكما ان السامري ضل بذلك الخوار وأضل كثيرا من بنى إسرائيل فكذا كل من كان فى حكمه فانه يغتر باوهامه وخيالاته ظنا انها علوم صحيحة فيدعو اهل الأوهام إليها فيضلهم بخلاف من له علم صحيح وكشف صريح فانه لا يلتفت الى كلمات الجهال ولا يميل الى خارق العادة ألا ترى ان من ثبت على دين موسى لم يصخ الى الخوار وعرف انه ابتلاء من الله تعالى للعباد فويل للمجادل المبطل وويل للسامع الى كلامه

<<  <  ج: ص:  >  >>