ومنها القول الحسن ولما خرج الطالب من عهدة حق العبودية وعمت رحمته وشفقته الوالدين وغيرهما لزم له ان يقول للناس حسنا يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة الى الله ويهديهم الى طريق الحق ويخالقهم بحسن الخلق وان يكون قوله لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر والسنى والمبتدع من غير مداهنة ومن غير ان يتكلم معه بكلام يظن انه يرضى مذهبه لان الله تعالى قال لموسى وهارون عليهما السلام فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً فليس بأفضل من موسى وهارون والفاجر ليس باخس من فرعون وقد أمرهما الله باللين معه فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفى: قال الحافظ
آسايش دو كيتى تفسير اين دو حرفست ... با دوستان تلطف با دشمنان مدارا
وقال السعدي
درشتى نكيرد خردمند پيش ... نه سستى كه ناقص كند قدر خويش
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ اى واذكروا ايها اليهود وقت أخذنا إقراركم وعهدكم في التوراة وقلنا لكم لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ لا يريق بعضكم دم بعض جعل غير الرجل نفسه إذا اتصل به أصلا او دينا فلما بينهم من الاتصال القوى نسبا ودينا اجرى كل واحد منهم مجرى أنفسهم وقيل إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه لانه يقتص منه وهو اخبار في معنى النهى كانه سورع الى الانتهاء فهو يخبر عنه وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ اى لا يخرج بعضكم بعضا من دياره او لا تسبوا جيرانكم فتلجئوهم الى الخروج وفي اقتران الإخراج من الديار بالقتل إيذان بانه بمنزلة القتل ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ اى بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه وبوجوب المحافظة عليه وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عليها توكيد للاقرار كقولك فلان مقر على نفسه بكذا شاهد عليها او أنتم اليوم ايها اليهود تشهدون على اقرار اسلافكم بهذا الميثاق ثُمَّ أَنْتُمْ مبتدأ هؤُلاءِ خبر ومناط الافادة اختلاف الصفات المنزل منزلة اختلاف الذات كما تقول رجعت بغير الوجه الذي خرجت به والمعنى أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون والناقضون المتناقضون يعنى انكم قوم آخرون غير أولئك المقرين كأنهم قالوا كيف نحن فقيل تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ اى الجارين مجرى أنفسكم فهو بيان لقوله ثم أنتم هؤلاء وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ الضمير للفريق وهو الطائفة تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بحذف احدى التاءين حال من فاعل تخرجون او من مفعوله مبينة لكيفية الإخراج رافعة لتوهم اختصاص الحرمة بالإخراج بطريق الاصالة والاستقلال دون المظاهرة والمعنى تقوون ظهوركم للغلبة عليهم بِالْإِثْمِ حال من فاعل تظاهرون اى ملتبسين بالإثم وهو الفعل الذي يستحق فاعله الدم واللوم وَالْعُدْوانِ اى التجاوز في الظلم ودلت الآية على ان الظلم كما هو محرم فكذا اعانة الظالم على ظلمه كذا في التفسير الكبير وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى اى جاؤكم حال كونهم مأسورين اى ظهروا لكم على هذه الحالة ولم يرد به الإتيان الاختياري والأسارى والأسرى جمع أسير وهو من يؤخذ قهرا فعيل بمعنى المفعول من الاسر بمعنى الشد والايثاق والفرق انهم إذا قيدوا فهم أسارى وإذا حصلوا في اليد من غير