للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البهيمية والسبعية والشيطانية كما قال تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ وذلك بان أرواحهم النفيسة لما نظروا بروزنة الحواس الخمس الى عالم الصورة الخسيسة حجبت عن مألوفاتها ومحابها ثم ابتليت بصحبة النفوس الحيوانية واستأنست بها ولهذا يسمى الإنسان إنسانا لانه أنيس فبمجاورة النفس الخسيسة صار الروح النفيس خسيسا فاستحسن ما استحسنت النفس واستلذ به ما استلذ به النفس واستمتع من المراتع الحيوانية فانقطع عنه الاغذية الروحانية ونسى حظائر القدس وجوار الحق في رياض الانس ولهذا سمى الناس ناسا لانه ناس فتاه في اودية الخسران واستهوته الشياطين في الأرض حيران ولما نسوا الله بالكفران نسيهم بالخذلان حتى غلب عليهم الهوى وأوقعهم في مهالك الردى فاصبحوا بنفوس احياء وقلوب موتى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ بالوعد والوعيد وخوفتهم بالعذاب الشديد أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بما أخبرتهم ودعوتهم اليه وأنذرتهم عليه لان روزنة قلوبهم الى عالم الغيب منسدة بقساوة حلاوة الدنيا وقلوبهم مغلوقة بحب الدنيا وشهواتها مقفول عليها بمتابعة الهوى كما قال تعالى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها فما تنسموا روائح الانس من رياض القدس بل هب عليهم صرصر الشقاوة من مهب حكم السابقة وأدركهم بالختم على أقفا لها كما قال تعالى خَتَمَ اللَّهُ الآية انتهى ما في التأويلات ومن أمثال الإنجيل قلوبكم كالحصاة لا تنضجها النار ولا يلينها الماء ولا تنسفها الريح: قال السعدي

چون بود اصل جوهرى قابل ... تربيت را در او اثر باشد

هيچ صيقل نكو نداند كرد ... آهنى را كه بد كهر باشد

خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ لما ذكر هؤلاء الكفار بصفاتهم وحالاتهم الحق به ذكر عقوباتهم فهو تعليل للحكم السابق وبيان ما يقتضيه والختم الكتم سمى به الاشتيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه لانه كتم له وبلوغ آخره ومنه ختم القرآن نظرا الى انه آخر فعل يفعل فى إحرازه ولا ختم على الحقيقة وانما المراد به ان يحدث في نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصي واستقباح الايمان والطاعات بسبب غيهم وانهماكهم في التقليد واعراضهم عن النظر الصحيح فتجعل قلوبهم بحيث لا يؤثر فيها الانذار ولا ينفذ فيها الحق أصلا وسمى هذه الهيئة على الاستعارة ختما وقد عبر عن احداث هذه الهيئة بالطبع في قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وبالاغفال في قوله وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وبالإقساء في قوله وجعلنا قلوبهم قاسية وهي من حيث ان الممكنات بأسرها مسندة الى الله تعالى واقعة بقدرته أسندت اليه تعالى ومن حيث انها مسببة مما اقترفوه بدليل قوله تعالى بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ وقوله ذلك بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ وردت الآية الكريمة ناعية عليهم شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم فالختم مجازاة لكفرهم والله تعالى قد يسر عليهم السبل فلو جاهدوا لوفقهم فسقط الاعتراض بانه إذا ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم فمنعهم عن الهدى فكيف يستحقون العقوبة قال الشيخ في تفسيره واسناد الختم الى الله للتنبيه على ان آباءهم عن قبول الحق كالشئ الخلقي غير العرضي انتهى وقال في التيسير حاصل الختم

<<  <  ج: ص:  >  >>