ويجوز ان يكون انعاما وأناسي مفعول نسقيه. ومما خلقنا متعلق بمحذوف على انه حال من انعاما والانعام جمع نعم وهى المال الراعية واكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل وقال فى المغرب الانعام الأزواج الثمانية فى قوله (مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) وأناسي جمع انسان عند سيبويه على ان أصله أناسين فابدلت النون ياء وادغم فيها الياء التي قبلها وقال الفراء والمبرد والزجاج انه جمع انسى وفيه نظر لان فعالىّ انما يكون جمعا لما فيه ياء مشددة لا تدل على نسب نحو كراسىّ فى جمع كرسىّ فلو أريد بكرسي النسب لم يجز جمعه على كراسىّ ويبعد ان يقال ان الياء فى انسى ليست للنسب وكان حقه ان يجمع على اناسية نحو مهالية فى جمع المهلىّ كذا فى حواشى ابن الشيخ وقال الراغب الانسى منسوب الى الانس يقال ذلك لمن كثر أنسه ولكل ما يؤنس به وجمع الانسىّ اناسىّ وقال فى الكرسي انه فى الأصل منسوب الى الكرس اى التلبد ومنه الكراسة للمتلبد من الأوراق انتهى قوله كثيرا صفة أناسي لانه بمعنى بشر والمراد بهم اهل البوادي الذين يعيشون بالمطر ولذا نكر الانعام والأناسي. يعنى ان التنكير للافراد النوعي وتخصيصهم بالذكر لان اهل المدن والقرى يقيمون بقرب الأنهار والمنابع فلا يحتاجون الى سقيا السماء وسائر الحيوانات من الوحوش والطيور تبعد فى طلب الماء فلا يعوزها الشرب غالبا يقال أعوزه الشيء إذا احتاج اليه فلم يقدر عليه وخص الانعام بالذكر لانها قنية للانسان اى يقتنيها ويتخذها لنفسه لا للتجارة وعامة منافعهم ومعايشهم منوطة بها فلذا قدم سقيها على سقيهم كما قدم على الانعام احياء الأرض فانه سبب لحياتها وتعيشها فانظر كيف رتب ذكر ما هو رزق الإنسان ورزق رزقه فان الانعام رزق الإنسان والنبات رزق الانعام والمطر رزق النبات فقدم ذكر المطر ورتب عليه ذكر حياة الأرض بالنبات ورتب عليه ذكر الانعام وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ اى وبالله لقد كررنا هذا القول الذي هو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر لما مر من الغايات الجليلة فى القرآن وغيره من الكتب السماوية بَيْنَهُمْ اى بين الناس من المتقدمين والمتأخرين لِيَذَّكَّرُوا اى ليتفكروا ويعرفوا كمال القدرة وحق النعمة فى ذلك ويقوموا بشكره حق القيام وأصله يتذكروا والتذكر التفكر فَأَبى الإباء شدة الامتناع ورجل أبيّ ممتنع من تحمل الضيم وهو متأول بالنفي ولذا صح الاستثناء اى لم يفعل او لم يرد او لم يرض أَكْثَرُ النَّاسِ ممن سلف وخلف إِلَّا كُفُوراً الا كفران النعمة وقلة المبالاة بشأنها فان حقها ان يتفكر فيها ويستدل بها على وجود الصانع وقدرته وإحسانه وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها وأعظم الكفر جحود الوحدانية او النبوة او الشريعة والكفران فى جحود النعمة اكثر استعمالا والكفر فى الدين اكثر والكفور فيهما جميعا كما فى المفردات واكثر اهل التفسير على ان ضمير صرفناه راجع الى نفس الماء الطهور الذي هو المطر. فالمعنى (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ) اى فرقنا المطر بينهم بانزاله فى بعض البلاد والامكنة دون غيرها او فى بعض الأوقات دون بعض او على صفة دون اخرى بجعله تارة وابلا وهو المطر الشديد واخرى طلا وهو المطر الضعيف ومرة ديمة وهو المطر الذي يدوم أياما فابى اكثر الناس الا جحودا للنعمة وكفرا