ثم ان الإسراف ليس متعلقا بالمال بل بكل شىء وضع فى غير موضعه اللائق به ألا ترى ان الله تعالى وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البذر فى غير المحرث فقال (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ووصف فرعون بقوله (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) فالتكبر لغير المتكبر إسراف مذموم وللمتكبر اقتصاد محمود وعلى هذا فقس وفى الآية اشارة الى اهل الله الباذلين عليه الوجود (إِذا أَنْفَقُوا) وجودهم فى ذات الله وصفاته (لَمْ يُسْرِفُوا) اى لم يبالغوا فى المجاهدة والرياضة حتى يهلكوا أنفسهم بالكلية كما قال (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(وَلَمْ يَقْتُرُوا) فى بذل الوجود بان لا يجاهدوا أنفسهم فى ترك هواها وشهواتها كما اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام فقال (انذر قومك من أكل الشهوات فان القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عنى)(وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) بحيث لا يهلك نفسه بفرط المجاهدة ولا يفسد قلبه بتركها وتتبع الشهوات كما فى التأويلات النجمية وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ لا يعبدون مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كالصنم اى لا يجعلونه شريكا له تعالى يقال الشرك ثلاثة. أولها ان يعبد غيره تعالى. والثاني ان يطيع مخلوقا بما يأمره من المعصية. والثالث ان يعمل لغير وجه الله فالاول كفر والآخران معصية وفى التأويلات النجمية يعنى لا يرفعون حوائجهم الى الأغيار ولا يتوهمون منهم المسار والمضار وايضا لا يشوبون أعمالهم بالرياء والسمعة ولا يطلبون مع الله مطلوبا ولا يحبون معه محبوبا بل يطلبون الله من الله ويحبونه به: قال الصائب
غير حق را مى دهى ره در حريم دل چرا ... ميكشى بر صفحه هستى خط باطل چرا
وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ اى حرمها بمعنى حرم قتلها فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه مبالغة فى التحريم والمراد نفس المؤمن والمعاهد إِلَّا بِالْحَقِّ المبيح لقتلها اى لا يقتلونها بسبب من الأسباب الا بسبب الحق المزيل لحرمتها وعصمتها كما إذا قتل أحدا فيقتص به او زنى وهو محصن فيرجم او ارتد او سعى فى الأرض بالفساد فيقتل وَلا يَزْنُونَ الزنى وطئ المرأة من غير عقد شرعى واعلم ان الله تعالى نفى عن خواص العباد أمهات المعاصي من عبادة الغير وقتل النفس المحرمة والزنى بعد ما اثبت لهم اصول الطاعات من التواضع ومقابلة القبيح بالجميل واحياء الليل والدعاء والانفاق العدل وذلك إظهارا لكمال ايمانهم فانه انما يكمل بالتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل واشعارا بان الاجر المذكور فيما بعد موعود للجامع بين ذلك وتعريضا للكفرة باضداده اى وعباد الرحمن الذين لا يفعلون شيأ من هذه الكبائر التي جمعتهن الكفرة حيث كانوا مع اشراكهم به سبحانه مداومين على قتل النفوس المحرمة التي من جملتها الموؤدة مكبين على الزنى إذ كان عندهم مباحا وعن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم قال (ان تجعل لله ندا وهو خلقك) قال قلت ثم أي قال (ان تقتل ولدك مخافة ان يطعم معك) قال قلت ثم أي (قال ان تزنى بحليلة جارك) وفى التأويلات النجمية (وَلا يَزْنُونَ) اى لا يتصرفون