للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها له تعالى وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أمرت بالصلاة بالجماعة بذكر أركانها القنوت وهو طول القيام والسجود والركوع مبالغة فى إيجاب رعايتها وإيذانا بفضيلة كل منها واصالته. وتقديم السجود على الركوع إما لكون الترتيب فى شريعتهم كذلك وإما لكون السجود أفضل اركان الصلاة وأقصى مراتب الخضوع ولا يقتضى ذلك كون الترتيب الخارجي كذلك بل اللائق به الترقي من الأدنى الى الأعلى واما ليقترن اركعى بالراكعين للاشعار بان من لا ركوع فى صلاتهم ليسوا مصلين قيل لما أمرت بذلك قامت فى الصلاة حتى تورمت قدماها وسالت دما وقيحا ذلِكَ اى ما ذكرنا فى القصص من حديث حنة ومريم وعيسى وزكريا ويحيى مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ اى من اخبار الغيب التي لا يوقف عليها الا بمشاهدة او قراءة كتاب او تعلم من عالم او بوحي من عند الله تعالى وانعدمت الثلاثة الاول فتعينت الرابعة وهو الوحى نُوحِيهِ إِلَيْكَ اى ننزله عليك دلالة على صحة نبوتك وإلزاما على من يحاجونك من الكفار. والوحى فى القرآن لمعان للارسال الى الأنبياء قال تعالى نُوحِي إِلَيْهِمْ وللالهام قال تعالى وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ولا لقاء المعنى المراد قال تعالى بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها وللاشارة قال تعالى فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا واصل ذلك كله الاعلام فى خفاء وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ اى عند الذين اختلفوا وتنازعوا فى تربية مريم وهو تقرير لكونه وحيا على طريقة التهكم بمنكريه اى انهم عالمون لا يشكون انك لم تقرأ كتابا ولم تصحب من علم تلك الانباء حتى تسمع منهم فلم يبق الا المشاهدة وهى منتفية بالضرورة فكأنهم ادعوا هذا المحال لكونه يلزم من انكارهم الوحى اى ان لم يكن بالوحى كما زعموا فلا بد من دعوى المشاهدة ولم تمكن قال ابن الشيخ فى حواشيه كأنه قيل ايها المنكرون لان اوحى اليه والمتهمون فى دعوى نبوته ليس لكم فى سبب الاتهام سوى احتمال المشاهدة والعيان وانه غاية السفاهة ونهاية الخذلان ومن أضل ممن عدل عن الاحتمال الثابت بالمعجزات الساطعة والبراهين القاطعة الى احتمال لا يذهب اليه وهم أحد وأي حالة ادعى الى الضحك والاستهزاء والسخرية من حال هؤلاء انتهى إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ التي كانوا يكتبون بها التوراة اختاروها للقرعة تبركا بها أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ متعلق بمحذوف دل عليه يلقون أقلامهم اى يلقونها ينظرون او ليعلموا أيهم يكفلها وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ اى فى شأنها تنافسا فى كفالتها وقد ذكر فيما سبق. وفى الآية دلالة على فضيلة مريم حيث اصطفاها الله على نساء العالمين فان جميع ما ذكر من التربية الجسمانية اللائقة بحال صغرها والتربية الروحانية المتعلقة بحال كبرها لم يتفق لغيرها من الإناث. وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية) حديث حسن يوافق الآية فى الدلالة على ان مريم أفضل من جميع نساء العالمين. وعن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون) وهو يدل على ان هؤلاء الأربع أفضل من سائر النساء واعلم ان اهل الكمال من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير هذه الأربع ومعنى الكمال

<<  <  ج: ص:  >  >>