للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعل نفسه عرضة للهلاك والخطر وعلى هذا فقس فينبغى للعاقل المكلف ان يعبد الله ويخافه ولا يجترىء على ما يخالف رضاه ولا يكون أسوأ من الجمادات مع ان الإنسان اشرف المخلوقات قال جعفر الطيار رضى الله عنه كنت مع النبي عليه السلام وكان حذاءنا جبل فقال عليه السلام (بلغ منى السلام الى هذا الجبل وقل له يسقيك ان كان فيه ماء) قال فذهبت اليه وقلت السلام عليك ايها الجبل فقال الجبل بنطق لبيك يا رسول رسول الله فعرضت القصة فقال بلغ سلامى الى رسول الله وقل له منذ سمعت قوله تعالى (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) بكيت لخوف ان أكون من الحجارة التي هى وقود النار بحيث لم يبق فىّ ماء وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يقال وزر يزر من الثاني وزرا بالفتح والكسر ووزر يوزر من الرابع حمل. والوزر الإثم والثقل والوازرة صفة للنفس المحذوفة وكذا اخرى والمعنى لا تحمل نفس آثمة يوم القيامة اثم نفس اخرى بحيث تتعرى منه المحمول عنها بل انما تحمل كل منهما وزرها الذي اكتسبته بخلاف الحال فى الدنيا فان الجبابرة يأخذون الولي بالولى والجار بالجار واما فى قوله تعالى (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ) من حمل المضلين اثقالهم وأثقالا غير اثقالهم فهو حمل أثقال ضلالهم مع أثقال اضلالهم وكلاهما أوزارهم ليس فيها شىء من أوزار غيرهم ألا يرى كيف كذبهم فى قولهم (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) بقوله (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) ومنه يعلم وجه تحميل معاصى المظلومين يوم القيامة على الظالمين فان المحمول فى الحقيقة جزاء الظلم وان كان يحصل فى الظاهر تخفيف حمل المظلوم ولا يجرى الا فى الذنب المتعدى كما ذكرناه فى اواخر الانعام وفيه اشارة الى ان لله تعالى فى خلق كل واحد من الخلق سرا مخصوصا به وله مع كل واحد شان آخر فكل مطالب بما حمل كما ان كل بذر ينبت بنبات قد أودع فيه ولا يطالب بنبات بذر آخر لانه لا يحمل الا ما حمل عليه كما فى التأويلات النجمية: قال الشيخ سعدى

رطب ناورد چوب خرزهره بار ... چهـ تخم افكنى بر همان چشم دار

وَإِنْ تَدْعُ صيغة غائبة اى ولو دعت: وبالفارسية [واگر بخواند] مُثْقَلَةٌ اى نفس أثقلتها الأوزار والمفعول محذوف اى أحدا قال الراغب الثقل والخفة متقابلان وكل ما يترجح عما يوزن به او يقدّر به يقال هو ثقيل وأصله فى الأجسام ثم يقال فى المعاني أثقله الغرم والوزر انتهى. فالثقل الإثم سمى به لانه يثقل صاحبه يوم القيامة ويثبطه عن الثواب فى الدنيا إِلى حِمْلِها الذي عليها من الذنوب ليحمل بعضها قيل فى الأثقال المحمولة فى الظاهر كالشىء المحمول على الظهر حمل بالكسر وفى الأثقال المحمولة فى الباطن كالولد فى البطن حمل بالفتج كما فى المفردات لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ لم تجب لحمل شىء منه وَلَوْ للوصل كانَ اى المدعو المفهوم من الدعوة وترك ذكره ليشمل كل مدعو ذا قُرْبى ذا قرابة من الداعي كالاب والام والولد والأخ ونحو ذلك إذ لكل واحد منهم يومئذ شأن يغنيه وحمل يعجزه ففى هذا دليل انه تعالى لا يؤاخذ بالذنب الا جانيه وان الاستغاثة بالاقربين غير نافعة لغير المتقين عن ابن عباس رضى الله عنهما يلقى الأب والام ابنه فيقول يا بنى احمل عنى بعض ذنوبى فيقول لا أستطيع حسبى ما علىّ وكذا يتعلق الرجل بزوجته فيقول لها انى كنت لك زوجا فى الدنيا

<<  <  ج: ص:  >  >>