مما يماثل الفلك ما يَرْكَبُونَ من الإبل فانها سفائن البر فتعريف الفلك للجنس لان المقصود من الآية الاحتجاج على اهل مكة ببيان صحة البعث وإمكانه. استدل عليه اولا بإحياء الأرض الميتة وجعلها سببا لتعيشهم. ثم استدل عليه بتسخير الرياح والبحار والسفن الجارية فيها على وجهه يتوسلون بها الى تجارات البحر ويستصحبون من يهمهم حمله من النساء والصبيان كما قال تعالى (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) . وقيل تعريفه للعهد الخارجي والمراد فلك نوح عليه السلام المذكور فى قوله (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) فيكون المعنى انا حملنا ذريتهم اى أولادهم الى يوم القيامة فى ذلك الفلك المشحون منهم ومن سائر الحيوانات التي لا تعيش فى الماء ولولا ذلك لما بقي للآدمى نسل ولا عقب وخلقنا لهم من مثله اى مما يماثل ذلك الفلك فى صورته وشكله من السفن والزوارق: وبالفارسية [چون زورق وصندل وناو] فان قلت فعلى هذا لم لم يقل حملناهم وذريتهم مع ان أنفسهم محمولون ايضا قلت اشارة الى ان نعمة التخليص عامة لهم ولا ولادهم الى يوم القيامة ولو قيل حملناهم لكان امتنانا بمجرد تخليص أنفسهم من الغرق وجعل السفن مخلوقة لله تعالى مع كونها من مصنوعات العباد ليس لمجرد كونها صنعتهم باقدار الله تعالى والهامه بل لمزيد اختصاص أهلها بقدرته تعالى وحكمته حسبما يعرب عنه قوله تعالى (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) والتعبير عن ملابستهم بهذه السفن بالركوب لانها باختيارهم كما ان التعبير عن ملابسة ذريتهم بفلك نوح بالحمل لكونها بغير شعور منهم واختيار واما قوله تعالى فى سورة المؤمنينَ عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)
فبطريق التغليب وجعل بعضهم المعنى الثاني اظهر لانه إذا أريد بمثل الفلك الإبل لكان قوله (وَخَلَقْنا لَهُمْ) إلخ فاصلابين متصلين لان قوله (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) متصل بالفلك واعتذر عنه فى الإرشاد بان حديث خلق الإبل فى خلال الآية بطريق الاستطراد لكمال التماثل بين الإبل والفلك فكأنها نوع منه وقيل المراد بالذرية الآباء والأجداد فان الذرية تطلق على الأصول والفروع لانها من الذرء بمعنى الخلق فيصلح الاسم للاصل والنسل لان بعضهم خلق من بعض فالآباء ذريتهم لان منهم ذرأ الأبناء. وفيه ان الذرية فى اللغة لم تقع الا على الأولاد وعلى النساء كما ذكر اللهم الا ان يراد ذرية أبيهم آدم عليه السلام وهم الأصول والفروع الى قيام الساعة والعلم عند الله تعالى [كفتند سه چيز را الله تعالى راند بكمال قدرت خويش شتران در صحرا وميغ در هوا وكشتى در دريا] وفهم من الامتنان بالحمل جواز ركوب البحر الامن دخول الشمس العقرب الى آخر الشتاء فانه لا يجوز ركوبه حينئذ لانه من الإلقاء الى التهلكة كما فى شرح حزب البحر للشيخ الزروقى قدس سره وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ إلخ من تمام الآية فانهم معترفون بمضمونه كما ينطق به قوله تعالى (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وفى تعليق الإغراق وهو بالفارسية [غرقه كردن] بمحض المشيئة اشعار بانه قد تكامل ما يوجب هلاكهم من معاصيهم ولم يبق الا تعلق مشيئته تعالى به قال فى بحر العلوم وهو محمول على الفرض والتقدير بدليل قوله (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) إلخ والمعنى ان نشأ إغراقهم نغرقهم فى اليم مع ما حملناهم فيه من الفلك