منشأها القلب وعن ذوق المشاهدات ولذة المؤانسات فتبقى فى خسران جهولية الإنسان كقوله تعالى وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ واما فى الآخرة فتخسر الدخول فى جنات النعيم ولقاء الرب الكريم والنجاة من الجحيم والعذاب الأليم وفى قوله فَبَعَثَ اللَّهُ إشارات منها ليعلم ان الله قادر على ان يبعث غُراباً او غيره من الحيوان الى الإنسان ليعلمه ما لم يعلم كما يبعث الملائكة الى الرسل والرسل الى الأمم ليعلموهم ما لم يعلموا. ومنها لئلا يعجب الملائكة والرسل أنفسهم باختصاصهم بتعليم الحق فانه يعلمهم بواسطة الغراب كما يعلمهم بواسطة الملائكة والرسل. ومنها ليعلم الإنسان انه محتاج فى التعلم الى غراب ويعجز ان يكون مثل غراب فى العلم. ومنها ان لله تعالى فى كل حيوان بل فى كل ذرة آية تدل على وحدانيته واختياره حيث يبدى المعاملات المعقولة من الحيوانات الغير العاقلة. ومنها اظهار لطفه مع عباده فى اسباب التعيش حتى إذا أشكل عليهم امر كيف يرشدهم الى الاحتيال بلطائف الأسباب لحله كذا فى التأويلات النجمية مِنْ أَجْلِ ذلِكَ شروع فيما هو المقصود بتلاوة النبأ من بيان بعض آخر من جنايات بنى إسرائيل ومعاصيهم وذلك اشارة الى عظم شأن القتل وافراط قبحه اى من أجل كون القتل على سبيل العدوان مشتملا على انواع المفاسد من خسارة جميع الفضائل الدينية والدنيوية وجمع السعادات الاخروية كما هى مندرجة فى إجمال قوله فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ ومن الابتلاء بجميع ما يوجب الحسرة والندامة من غير ان يكون لشىء منها ما يدفعه البتة كما هو مندرج فى إجمال قوله فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ وأجل فى الأصل مصدر أجل شرا إذا جناه وهيجه استعمل فى تعليل الجنايات اى فى جعل ما جناه الغير علة لامر يقال فعلته من أجلك اى بسبب ان جنيت ذلك وكسبته ثم اتسع فيه واستعمل فى كل تعليل ومن لابتداء الغاية متعلقة بقوله تعالى كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ وتقديمها عليه للقصر اى من ذلك ابتدئ الكتب ومنه نشأ لا من شىء آخر اى قضينا عليهم فى التوراة وبينا أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً واحدة من النفوس بِغَيْرِ نَفْسٍ اى بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ اى فساد يوجب اهدار دمها كالشرك وقطع الطريق وهو عطف على ما أضيف اليه غير بمعنى نفى كلا الامرين معا كما فى قولك من صلى بغير وضوء او تيمم بطلت صلاته لا نفى أحدهما كما فى قولك من صلى بغير وضوء او ثوب بطلت صلاته فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً من حيث انه هتك حرمة الدماء وسن القتل وجرأ الناس عليه او من حيث ان قتل الواحد والجميع سواء فى استجلاب غضب الله والعذاب العظيم وقوله جميعا حال من الناس او تأكيد وَمَنْ أَحْياها اى تسبب لبقاء حياتها بعفو او منع عن القتل او استنقاذ من بعض اسباب الهلكة فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً فكأنما فعل ذلك بالناس جميعا والمقصود من التشبيه المبالغة فى تعظيم امر القتل بغير حق والترغيب فى الاحتراز عنه وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ اى اهل الكتاب رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ اى وبالله لقد جاءتهم رسلنا حسبما أرسلناهم بالآيات الواضحة بتقرير ما كتبنا عليهم تأكيدا لوجوب مراعاته وتأييدا لتحتم المحافظة عليهم ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ اى بعد ما ذكر من الكتب وتأكيد الأمر بإرسال الرسل