فلما أصابا الخطيئة نزع ذلك عن بدنهما وبقي عند رؤس الأصابع تذكيرا لما فات من النعم وتجديدا للندم. وقيل كان لباسهما نورا يحول بينهما وبين النظر الى حد البدن. وقيل كان حلة من حلل الجنة وَطَفِقا يَخْصِفانِ اى أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة عَلَيْهِما اى على بدنهما او على سوءاتهما من قبيل صغت قلوبكما فى التعبير عن المثنى بالجمع لعدم الناس المراد فجاز ان يرجع اليه ضمير التثنية مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قيل كان ذلك ورق التين ولم يستره من الشجر إلا شجر التين فقال الله تعالى كما سترت آدم اخرج منك المعنى قبل الدعوى وسائر الأشجار يخرج منها الدعوى قبل المعنى فلهذه الحكمة يخرج ثمر سائر الأشجار فى كمامها اولا ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانيا وشجرة التين أول ما يبدو ثمره يبدو بارزا من غير كمام وفى الآية دليل على ان كشف العورة قبيح من لدن آدم عليه السلام ألا ترى انهما كيف بادرا الى الستر لما تقرر فى عقلهما من قبح كشف العورة وَناداهُما رَبُّهُما مالك أمرهما بطريق العتاب والتوبيخ يحتمل ان يكون ذلك بان اوحى إليهما بواسطة الملك ذلك الكلام او بان الهمهما ذلك فى قلبهما. قيل كانت حجلتهما بهذا العتاب أشد عليهما من كل محنة أصابتهما أَلَمْ أَنْهَكُما وهو تفسير للنداء فلا محل له من الاعراب عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما
عطف على أنهكما اى الم اقل لكما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ اشارة الى قوله تعالى إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ولكما متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل- روى- ان الله تعالى قال لآدم الم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال بلى وعزتك ولكن ما ظننت ان أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا قال فبعزتى لاهبطنك الى الأرض ثم لا تنال العيش الا كدا فاهبط وعلم صنعة الحديد وامر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز قالا اعترافا بالخطيئة وتسارعا الى التوبة رَبَّنا اى يا ربنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا اى ضررناها بالمعصية وعرضناها للاخراج من الجنة وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا تستر علينا ذنبنا وَتَرْحَمْنا بقبول توبتنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ اى الهالكين الذين باعوا حظهم فى الآخرة بشهوة ساعة وهو دليل على ان الصغائر معاقب عليها ان لم تغفر والمغفرة مشكوك فيها فكان ذنب آدم صغيرة لانه لم يأكل من الشجرة قصدا لمخالفة حكم الله تعالى بل انما أكل بناء على مقالة اللعين حيث أورثت فيه ميلا طبيعيا ثم انه كف نفسه عنه مراعاة لحكم الله الى ان نسى ذلك وزال المانع عن أكله فحمله طبعه عليه ولانه انما اقدم عليه بسبب اجتهاد اخطأ فيه فانه ظن ان النهى للتنزيه او ان الاشارة فى قوله وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ الى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها وقد كان المراد بها الاشارة الى النوع كما روى انه عليه السلام أخذ حريرا وذهبا بيده وقال (هذان حرامان على ذكور أمتي حل لاناثها) قالَ الله تعالى اهْبِطُوا خطاب لآدم وحواء وذريتهما او لهما ولابليس بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة حالية من فاعل اهبطوا اى متعادين فطبع إبليس على العداوة كطبع العقرب على اللدغ والذئب على السلب فعادى آدم لذهاب رياسته بين الملائكة بسبب خلافة آدم وأمرنا بمعاداة إبليس لان الابن يعادى عدو أبيه وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ [قراركاهى وآرام جايى] وَمَتاعٌ