من غير عفو بنحو القحط والجوع والأمراض والأوجاع والسيف وتسليط الأعداء عليها وغير ذلك من البلايا مقدما معجلا على استئصالها وذوقها العذاب الأكبر لترجع الى الله تعالى لان البلاء كالسوط للسوق فلم تفعل ولم ترفع رأسا فابتلاها الله بما فوق ذلك كما قال وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً اى منكرا عظيما هائلا متنفرا عنه بالطبع لشدته وإيلامه او غير متوقع فانهم كانوا لا يتوقعونه ولو قيل لهم لما يصدقونه والقهر الغير المتوقع أشد ألما واللطف الغير المتوقع أتم لذة وبالفارسية وعذاب كرديم ايشانرا عذابى چنانكه نديده بودند ونشناخته.
وهو العذاب العاجل بالاستئصال بنحو الإغراق والإحراق والريح والصيحة فالنكر الأمر الصعب الذي لا يعرف والإنكار ضد العرفان. يقول الفقير أضاف الله المحاسبة والتعذيب الى نفسه مع ان سببهما كان العتو عن امره وامر رسله لان الرسل كانوا فانين فى الله فاتخذوا الله وكيلا فى جميع أمورهم وتركوا التصرف والتعرض للقهر ونحوه وذلك انهم قد بعثوا بعد رسوخهم ولهذا صبروا على تكذيب أممهم لهم ولو بعثوا قبل الرسوخ ربما بطشوا بمن كذبهم واهلكوه وقس عليهم احوال الكمل من الأولياء فَذاقَتْ پس بچشيدند اهل آن ديه وَبالَ أَمْرِها اى ضرر كفرها وثقل عقوبة معاصيها اى أحسته احساس الذائق المطعوم وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً هائلا لاخسر وراءه يعنى زيانكارى وكدام زيان از ان بدتر كه از حيات ومنافع آن محروم شدند وبعقوبات مبتلى كشتند. فتجارتهم خسارة لاربح فيها لتضييعهم بضاعة العمر والصحة والفراغ بصرفها فى المخالفات قال فى المفردات الخسر والخسران انتقاض رأس المال وينسب الى الإنسان فيقال خسر فلان والى الفعل فيقال خسرت تجارته ويستعمل ذلك فى القنيات الخارجية كالمال والجاه فى الدنيا وهو الأكثر وفى النفسية كالصحة والسلامة والعقل والايمان والثواب وفى الآية اشارة الى اهل قرية الوجود الإنساني وهو النفس والهوى وسائر القوى فانها أعرضت عن حكم الروح فلم تدخل فى حكم الشريعة وكذا عن متابعة امر القلب والسر والخفي فعذبت بعذاب الحجاب واستهلكت فى بحر الدنيا وشهواتها ولذاتها وكان عاقبة أمرها خسران الضلالة ونيران الجهالة أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مع ذلك فى الآخرة ولام لهم لام التخصيص لا لام النفع كما فى قولهم دعاله فى مقابلة دعا عليه عَذاباً شَدِيداً اى قدره فى علمه على حسب حكمته أو هيأ أسبابه فى جهنم بحيث لا يوصف كنهه فهم اهل الحساب والعذاب فى الدنيا والآخرة لا فى الدنيا فقط فان ما أصابهم فى الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم لعدم رجوعهم عن الكفر فعذبوا بعذاب الآخرة ايضا وهذا المعنى من قوله فحاسبناها الى هنا هو اللائق بالنظم الكريم هكذا ألهمت به حين المطالعة ثم وجدت فى تفسير الكواشي وكشف الاسرار وأبى الليث والاسئلة المقحمة ما يدل على ذلك والحمد لله تعالى فلا حاجة الى ان يقال فيه تقديما وتأخيرا وان المعنى انا عذبناها عذابا شديدا فى الدنيا ونحاسبها حسابا شديدا فى الآخرة على ان لفظ الماضي للتحقيق كأكثر ألفاظ القيامة فان فيه وفى نحوه تكلفا بينا على ما ارتكبه من يعد من اجلاء المفسرين ودل قوله فى الأثر حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا