للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم الله على آدم حسده فصار عدوا له وفيه اشارة الى ان كل من حسد أحدا يكون عدو اله ويريد هلاكه ويسعى فى إفساد حاله والثاني انه كان شابا عالما وإبليس شيخا جاهلا لانه اثبت فضيلته بفضيلة أصله وانه جهل والشيخ الجاهل يكون ابدا عدو الشاب العالم

زد شيخ شهر طعنه بر اسرار اهل دل ... المرء لا يزال عدوا لما جهل

والثالث انه مخلوق من النار وآدم من الماء والتراب وبين أصليهما عداوة فبقيت العداوة فيهما فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ اى لا يكونن سببا لاخراجكما منها فهو من قبيل اسناد الفعل الى السبب والا فالمخرج حقيقة هو الله تعالى وظاهره وان كان نهى إبليس عن الإخراج الا ان المراد نهيهما من ان يكونا بحيث يتسبب الشيطان فى إخراجهما منها بالطريق البرهاني فَتَشْقى جواب للنهى واسناد الشقاء اليه لرعاية الفواصل ولا صالته قال فى المفردات الشقاوة خلاف السعادة وكما ان السعادة ضربان سعادة دنيوية وسعادة اخروية ثم السعادة الدنيوية ثلاثة اضرب سعادة نفسية وبدنية وخارجية كذلك الشقاوة على هذه الأضرب وفى الشقاوة الاخروية قال تعالى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وفى الدنيوية فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى انتهى وقد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت فى كذا كما قال فى القاموس الشقا الشدة والعسر ويمد انتهى. فالمعنى لا تباشر اسباب الخروج فيحصل الشقاء وهو الكد والتعب الدنيوي مثل الحرث والزرع والحصد والطحن والعجن والخبز ونحو ذلك مما لا يخلو الناس عنه فى امر تعيشهم ويؤيده ما بعد الآية قال الكاشفى [فتشقى كه تو در رنج افتى يعنى چون از بهشت بيرون روى بكد يمين وعرق جبين اسباب معاش مهيا بايد كرد] عن سعيد بن جبير اهبط الى آدم ثور احمر فكان يحرث عليه ويمسح الغرق عن جبينه فذلك شقاؤه يقول الفقير الظاهر ان الشيطان بسبب عداوته لا يخلو عن تحريض فعل يكون سببا للخروج فالشقاوة فى الحقيقة متفرعة على مباشرة امر منهى عنه فافهم وفى التأويلات النجمية هى شقاوة البعد عن الحضرة ان لم يرجع الى مقام قربه من جوار الحق بالتوبة والاستغفار وفيه اشارة الى ان العصيان وامتثال الشيطان موجب للاخراج من جنة القلب والهبوط الى ارض البشرية بعد الصعود عنها والعبور عليها إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها لك خبر انّ وان لا تجوع فى محل النصب على الاسمية اى قلنا ان حالك مادمت فى الجنة عدم الجوع إذ النعم كلها حاضرة فيها وَلا تَعْرى من الثياب لان الملبوسات كلها موجودة فى الجنة والعرى الجلد عما يستره وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها اى لا تعطش لان العيون والأنهار جارية على الدوام قال الراغب الظمئ ما بين الشربتين والظمأ العطش الذي يعرض من ذلك وَلا تَضْحى اى لا يصيبك حر الشمس فى الجنة إذ لا شمس فيها وأهلها فى ظل ممدود يقال ضحى الرجل للشمس بكسر الحاء إذا برز وتعرض لها وان بالفتح مع ما فى حيزها عطف على ان لا تجوع وفصل الظمأ دفعا لتوهم ان نفيهما نعمة واحدة وكذا الحال فى الجمع بين العرى والضحو وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الجنة وان كانت باقية وهى جوار الحق لكنها مرتعة من مراتع النفس البهيمية الحيوانية ولها

<<  <  ج: ص:  >  >>