اشارة الى انه تعالى اعطى الإنسان فى الأزل حسن استعداد استدعى منه لقبول الفيض الإلهي وهو قوله تعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثم للابتلاء رده الى أسفل سافلين ثم آتاه من كل ما سأله من الأسباب التي تخرجه من أسفل سافلين وتصعده الى أعلى عليين فاذا أمعنت النظر فى هذه الآيات رأيت ان العالم بما فيه خلق تبعا لوجود الإنسان وسببا لكماليته كما ان الشجرة خلقت تبعا لوجود الثمرة وسببا لكماليتها فالانسان البالغ الكامل الواصل ثمرة شجرة المكونات فافهم جدا وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها لان نعمته على الإنسان قسمان قسم يتعلق بالمخلوقات كلها وقد بينا انها خلقت لاستكمال الإنسان وهذه النعمة لا يحصى عدها لان فوائدها عائدة الى الإنسان الى الابد وهى غير متناهية فلا يحصى عدها وقسم يتعلق بعواطف ألوهيته وعوارف ربوبيته فهى ايضا غير متناهية إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ لنفسه بان يفسد هذا الاستعداد الكامل بالاعراض عن الحق والإقبال على الباطل كَفَّارٌ لا نعم الله إذ لم يعرف قدرها ولم يشكر لها وجعلها نقمة لنفسه بعد ما كانت نعمة من ربه كما فى التأويلات النجمية وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ واذكر وقت قول ابراهيم فى مناجاته اى بعد الفراغ من بناء البيت رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ [اين شهر مكه را] آمِناً اهله بحيث لا يخاف فيه من المخاوف والمكاره كالقتل والغارة والأمراض المنفرة من البرص والجذام ونحوهما فاسناد الامن الى البلد مجاز لوقوع الامن فيه وانما الآمن فى الحقيقة اهل البلد وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ يقال جنبته كنصرته واجنبته وجنبته اى أبعدته. والمعنى بعدنى وإياهم أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ واجعلنا منه فى جانب بعيد اى ثبتنا على ما كنا عليه من التوحيد وملة الإسلام والبعد عن عبادة الأصنام قال بعضهم رأى القوم يعبدون الأصنام فخاف على بنيه فدعا يقول الفقير الجمهور على ان العرب من عهد ابراهيم استمرت على دينه من رفض عبادة الأصنام الى زمن عمرو بن لحى كبير خزاعة فهو أول من غير دين ابراهيم وشرع للعرب الضلالات وهو أول من نصب الأوثان فى الكعبة وعبدها وامر الناس بعبادتها وقد كان اكثر الناس فى الأرض المقدسة عبدة الأصنام وكان ابراهيم يعرفه فخاف سرايته الى كل بلد فيه واحد من أولاده فدعا فعصم أولاده الصلبية من ذلك وهى المرادة من قوله وَبَنِيَّ فانه لم يعبد أحد منهم الصنم لاهى وأحفاده وجميع ذريته وذلك لان قريشا مع كونهم من أولاد إسماعيل عبادتهم الأصنام مشهورة واما قوله تعالى فى حم الزخرف وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ فالصحيح ان هذا لا يستلزم تباعد جميع الأحفاد عن عبادة الأصنام بل يكفى فى بقاء كلمة التوحيد فى عقبه ان لا ينقرض قرن ولا ينقضى زمان الا وفى ذريته من هو من اهل التوحيد قلوا او كثروا الى زمان نبينا صلى الله عليه وسلم وقد اشتهر فى كتب السير ان بعض آحاد العرب لم يعبد الصنم قط ويدل عليه قوله عليه السلام (لا تسبوا مضر فانه كان على ملة ابراهيم) هذا ما لاح لى من التحقيق ومن الله التوفيق. وانما جمع الأصنام ليشتمل على كل صنم عبد من دون الله لان الجمع المعرف باللام يشمل كل واحد من الافراد كالمفرد باتفاق جمهور ائمة التفسير والأصول والنحو اى واجنبنا ان نعبد أحدا مما سمى بالصنم كما فى بحر العلوم