للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظيمة على الطاعة لان الغفلة إذا كانت ممتنعة عليه سبحانه مع انه اقدر القادرين وصلت الحقوق الى مستحقيها أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الأوصاف القبيحة الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا واستبدلوها بِالْآخِرَةِ واعرضوا عنها مع تمكنهم من تحصيلها فان ما ذكر من الكفر ببعض احكام الكتاب انما كان مراعاة لجانب حلفائهم لما يعود إليهم منهم من بعض المنافع الدينية والدنيوية فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ دنيويا كان او أخرويا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يمنعون من العذاب بدفعه عنهم بشفاعة او جبر اعلم ان الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنع غير ممكن والله سبحانه مكن المكلف من تحصيل أيتهما شاء وأراد فاذا اشتغل بتحصيل إحداهما فقد فوت الاخرى على نفسه فجعل الله ما اعرض اليهود عنه من الايمان بما في كتابهم وما حصل في أيديهم من الكفر ولذات الدنيا كالبيع والشراء وذلك من الله نهاية الذم لهم لان المغبون في البيع والشراء في الدنيا مذموم فان يدم مشترى الدنيا بالآخرة اولى فعلى العاقل ان يرغب في تجارة الآخرة ولا يركن الى الدنيا ولا يسفك دمه بامتثال أوامر الشيطان في استجلاب حظوظ النفس ولا يخرج من ديار دينه التي كان عليها في اصل الفطرة فانه إذا يضل ويشقى وفي قوله لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ اشارة اخرى الى ان العبد ولا يجوز له ان يقتل نفسه من جهد او بلاء يصيبه او يهيم في الصحراء ولا يأتى البيوت جهلا في ديانته وسفها في حلمه فهو عام في جميع ذلك وقد روى ان بعض الصحابة رضى الله عنهم عزموا ان يلبسوا المسوح وان يهيموا في الصحراء ولا يأووا الى البيوت ولا يأكلوا اللحم ولا يغشوا النساء فقال عليه السلام (انى أصلي وأنام وأصوم وأفطر واغشى النساء وآوى الى البيوت وآكل اللحم فمن رغب عن سنتى فليس منى) فرجعوا عما عزموا قال تعالى وآت كل ذى حق حقه فالكمال في التجاوز عن القيود والوصول الى عالم الشهود وعين العارف لا ترى غير الله في المرايا والمظاهر فمن أي شىء يهرب والى ابن يهرب فاينما تولوا فثم وجه الله ولذا قيل الذي يطلب العلم لله إذا قيل له غدا تموت لا يضيع الكتاب من يده لكونه وفي الحقوق مشتغلا به لله مخلصا له النية فلم ير أفضل مما هو فيه فيحب ان يأتيه الموت على ذلك واعلم ايضا ان الأسارى اصناف شتى فمن أسير في قيد الهوى فانقاذه بالدلالة على الهدى ومن أسير في قيد حب الدنيا فخلاصة بإخلاص ذكر الموت: وفي المثنوى

ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز ... چشم نركس را ازين كركس بدوز

ومن أسير بقي في قيد الوسواس فقد استهوته الشياطين ففداؤه برشده الى اليقين بلوائح البراهين لينقذه من الشكوك والظنون والتخمين ويخرجه من ظلمات التقليد وما تعود بالتلقين ومن أسير تجده في اسر هواجس نفسه ربيط زلاته ففك اسره في إرشاده الى اقلاعها ومن أسير تجده في اسر صفاته وحبس وجوده فنجاته في الدلالة على الحق فيما يحل عنه وثاق الكون ومن أسير نجده في قبضة الحق فليس لاسيرهم فداء ولا لقتيلهم قود ولا لربيطهم خلاص ولا منهم بدل ولا معهم جدل ولا إليهم لغيرهم سبيل ولالديهم الا بهم دليل ولا بهم فرار ولا معهم قرار فهذا مقام الأولياء الكمل فمن اتخذ هذه الطريقة سبيلا نال مراده ووصل الى مقام فؤاده

<<  <  ج: ص:  >  >>