ان سليمان لم يكن قادرا على الإتيان بعرشها ولم يكن له ولاية هذه الكرامات فانه أمرهم بذلك لاظهار اهل الكرامات من أمته ولان كرامات الأولياء من جملة معجزات الأنبياء فانها دالة على صدق نبوتهم وحقيقة دينهم ايضا انتهى قال الشيخ داود القيصري رحمه الله خوارق العادات قلما تصدر من الاقطاب والخلفاء بل من وزرائهم وخلفائهم لقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلى فلا يتصرفون لانفسهم فى شىء ومن جملة كمالات الاقطاب ومنن الله عليهم ان لا يبتليهم بصحبة الجهلاء بل يرزقهم صحبة العلماء والأمناء يحملون عنهم اثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم كآصف وسليمان وقال بعض العارفين لا يلزم لمن كان كامل زمانه ان يكون له التقدم فى كل شىء وفى كل مرتبة كما أشار اليه عليه السلام بقوله فى قصة تأبير النخل (أنتم اعلم بامور دنياكم) فذلك لا يقدح فى مقام الكامل لان التفرد بكل كمال لحضرة الالوهية والربوبية وما سواه وسيم بالعجز والنقص ولكل أحد اختصاص من وجه فى الكمال الخاص كموسى والخضر عليهما السلام وان كان الكليم أفضل زمانه كسليمان عليه السلام فانظر سر الاختصاص فى قوله (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) مع الخليفة أبيه داود حين اختلف رجل وامرأة فى ولد لهما اسود فقالت المرأة هو ابن هذا الرجل وأنكر الرجل فقال سليمان هل جامعتها فى حال الحيض فقال نعم قال هو لك وانما سود الله وجهه عقوبة لكما فهذا من باب الاختصاص قالَ عِفْرِيتٌ مارد خبيث مِنَ الْجِنِّ بيان له إذ يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر لاقرانه عفريت وفى المفردات العفريت من الجن هو الفاره الخبيث ويستعار ذلك للانسان استعارة الشيطان له انتهى مأخوذ من العفر محركة ويسكن وهو ظاهر التراب فكأنه يصرع قرنه عليه ويمرغه فيه وأصله عفر زيدت فيه التاء مبالغة كما فى الكواشي وكان اسم ذلك العفريت ذكوان وفى فتح الرحمن كوذى او إصطخر سيد الجن وكان قبل ذلك متمردا على سليمان وإصطخر فارس تنسب اليه وكان الجنى كالجبل العظيم يضع قدمه عند منتهى طرفه أَنَا آتِيكَ بِهِ اى بعرشها قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ اى من مجلسك للحكومة وكان يجلس الى نصف النهار وآتيك اما صيغة مضارع. فالمعنى بالفارسية [من بيارم آنرا بتو] او فاعل. والمعنى [من آرنده ام آنرا بتو] وهو الأنسب لمقام ادعاء الإتيان بلا محالة وأوفق بما عطف عليه من الجملة الاسمية اى انا آت به فى تلك المدة البتة وَإِنِّي عَلَيْهِ اى على الإتيان لَقَوِيٌّ لا يثقل علىّ حمله أَمِينٌ على ما فيه من الجواهر والنفائس ولا ابد له بغيره قالَ حين قال سليمان أريد اسرع من هذا يعنى [زودترا زين خواهم] الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ وهو آصف بن برخيا بن خالة سليمان وزيره وكاتبه ومؤدبه فى حال صغره وكان رجلا صديقا يقرأ الكتب الالهية ويعلم الاسم الأعظم الذي إذا دعى الله به أجاب وقد خلقه الله لنصرة سليمان ونفاذ امره فالمراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة على موسى وابراهيم وغيرهما او اللوح وأسراره المكتومة وقال المعتزلة المراد به جبرائيل وذلك لانهم لا يرون كرامة الأولياء أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ الارتداد الرجوع والطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر