فى استماعكم- روى- ان شقيق البلخي قدس سره كان تاجرا في أول امره يتجر في بلاد النصارى فقال له امير النصارى في أي مدة تجئ وتذهب فقال أجيء في ثلاثة أشهر واشترى السلع في ثلاثة واذهب في ثلاثة وأبيع السلع في ثلاثة فقال الملك فهذه الشهور السنة فما تعبد ربك فتأثر قلبه من هذا الكلام فقام عن التجارة واشتغل بالعبادة فان كان التوفيق رفيق عبد لا يزال يقطع المسافات وان مسه الآفات الى ان يصل الى المقصود وإذا وكل الى نفسه لا يفيده ملام ولا يؤثر فيه كلام. ومن النصائح التي نصح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته قوله عليه الصلاة والسلام (علامة اعراض الله عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه وان امرأ دهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير ان تطول عليه حسرته ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار) وفي هذه النصيحة كفاية لاهل العلم: قال السعدي قدس سره
كه فردا پشيمان بر آرد خروش ... كه آوخ چرا حق نكردم بكوش
اللهم اجعلنا من المتعظين بمواعظ كلمك وَالْوالِداتُ اى جميع الوالدات مطلقات كن او مزوجات لان اللفظ عام وما قام دليل التخصيص فوجب تركه على عمومه يُرْضِعْنَ خبر فى معنى الأمر اى ليرصعن والرضع مص الثدي للبن أَوْلادَهُنَّ جمع ولد وهو المولود ذكرا كان او أنثى ومعنى الأمر الندب ووجه الندب ان تربية الطفل بلبن الام أصلح له من سائر الألبان وان شفقة الام أتم من شفقة غيرها ثم ان حكم الندب انما هو على تقدير ان لا يضطر الولد الى لبن امه اما إذا بلغ حالة الاضطرار بان لا يوجد غير الام او لا يرضع الطفل الا منها او عجز الوالد عن الاستئجار فحينئذ يجب عليها الإرضاع عند ذلك كما يجب على كل أحد مواساة المضطر في الطعام واعلم ان حق الإرضاع لهن الى ان يتزوجن بغير آباء الأولاد ان كانت مطلقات لانهن يشتغلن بخدمة الأزواج فلا يتفرغن لحضانتهم على الوجه الأليق ولان الربيب يتضرر بالراب فانه ينظر اليه شزرا وينفق عليه نزرا حَوْلَيْنِ سنتين أصله من حال الشيء يحول إذا انقلب والحول منقلب من الوقت الاول الى الثاني كامِلَيْنِ تامين أكده بصفة الكمال لانه مما يتسامح فيه فيقال أقمت عند فلان حولين بمكان كذا وانما اقام فيه حولا وبعض الحول لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بيان للذى توجه اليه حكم الإرضاع كأنه قيل هذا الحكم لمن فقيل لمن أراد ان يتم الرضاعة ومن يحتمل ان يراد بها الوالدات فقط او هن والآباء معا واعلم ان مدة الرضاع عند ابى حنيفة حولان ونصف وعندهما حولان فقط استدلالا بهذه الآية ولا يباح إرضاع بعد هذا الوقت المخصوص على الخلاف لان اباحته ضرورية لانه جزء الآدمي فيتقدر بقدر الضرورة وقال ابو حنيفة هذه الآية محمولة على مدة استحقاق الاجرة فان الإجماع على ان مدت الرضاع في استحقاق اجر الرضاع على الأب مقدرة بحولين حتى ان الأب لا يجبر على إعطاء اجرة بعد الحولين قال تعالى فان أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ الآية ولو حرم الرضاع بعد الحولين لم يكن لقوله عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فائدة فالرضاع الذي ثبت به الحرمة هو ما يكون في ثلاثين شهرا عنده ولا يحرم ما يكون بعدها وعندهما هو ما يكون في الحولين ولا يحرم ما يكون بعد الحولين وهو مذهب الشافعي