للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى اى حال كونه مسرعا طالبا لما عندك من احكام الرشد وخصال الخير وَهُوَ والحال انه يَخْشى الله تعالى او يخشى الكفار وأذا هم إتيانك قال سعدى المفتى الظاهر أن النظم من الاحتباك ذكر الغنى اولا للدلالة على الفقر ثانيا والمجيء والخشية ثانيا للدلالة على ضدهما اولا فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتلهى وتتشاغل من لهى عن الشيء بكسر الهاء يلهى لهيا اعرض عنه لا من لهوت بالشيء بالفتح ألهو لهوا إذا لعبت به لان الفعل مسند الى ضمير النبي ولا يليق بشأنه الرفيع أن ينسب اليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشيء لمصلحة وفى بعض التفاسير ولو أخذ من اللهو وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب لكونه عبثا لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه انتهى وفيه انه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثا ولا يقول به المؤمن وذلك لانه لا يجوز للنبى عليه السلام التشاغل بأهل التغافل الا بطريق التبليغ والإرشاد فكيف لا يترتب عليه نفع وفى تقديم ضميره عليه السلام وهو أنت على الفعلين تنبيه على ان مناط الإنكار خصوصيته عليه السلام أي مثلك خصوصا لا ينبغى ان يتصدى للمستغنى ويتلهى عن الفقير الطالب للخير وفى تقديم له وعنه للتعريض باهتمامه عليه السلام بمضونهما تنبيه حيث أفادت القصة ان العبرة بالأرواح والأحوال لا بالأشباح والأموال والعزيز من أعزه الله بالايمان والطاعة وان كان بين الناس ذليلا والذليل من اذله الله بالكفر والمعصية وان كان بين الناس عزيزا روى انه عليه السلام ما عبس بعد ذلك فى وجه فقير قط ولا تصدى لغنى وكان الفقراء فى مجلسه عليه السلام أمراء يعنى كان يحترمهم كل الاحترام وفيه تأديب للصغير بالكبير فحملة الشرع والعلم والحكام مخاطبون فى تقريب الضعيف من اهل الخير وتقديمه على الشريف العاري عن الخير بمثل ما خوطب به النبي عليه السلام فى هذه السورة قال بعضهم بين الله درجة الفقر وتعظيم اهله وخسة الدنيا وتحقير أهلها فصح الاشتغال بصحبة الفقراء لان فيم نعت الصدق والتجرد فالصحبة معهم مفيدة بخلاف الاشتغال بصحبة الأغنياء إذ ليس فيهم ذلك فالصحبة معهم ضائعة وفى الحديث (من تحامل على فقير لغنى فقد هدم ثلث دينه) يقال تحاملت على الشيء إذا تكلفت الشيء على مشقة وتحامل فلان على فلان إذا لم يعدل وقال بعض الأكابر انما كان صلى الله عليه وسلم يتواضع لاكابر قريش لان الأعزاء من الخلائق مظاهر العزة الالهية فكان تقديمهم على الفقراء من أهل الصفة ليوفى صفة الكبرياء حقها إذا لم يشهد لها مشاركا ولكن فوق هذا المقام ما هو أعلى منه وهو ما امره الله به آخرا بعد ما صدر سورة عبس فى قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى الآية فأمره بأن لا يشهده فى شىء دون شىء للاطلاق الذي هو الحق عليه كما قال جعت فلم تطعمنى وظمئت فلم تسقنى الحديث كما فى الجواهر للشعرانى كَلَّا انزجر من التصدي للمستغنى والاعراض عن ارشاد المسترشد قال الحسن لما تلا جبرائيل هذه الآيات على النبي عليه السلام عاد وجهه كأنما استف فيه الرماد اى تغير كأنما ذر عليه الرماد ينتظر ما يحكم الله عليه فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>