الام بإزاء الأب وهى الوالدة القريبة التي ولدته والبعيدة التي ولدت من ولدته ويقال لكل ما كان أصلا لوجود شىء او تربيته او إصلاحه او مبدئه أم واصله يا ابن أمي أبدل الياء الفا فقيل يا ابن اما ثم حذف الالف واكتفى بالفتحة لكثرة الاستعمال وطول اللفظ وثقل التضعيف وقرئ يا ابن أم بالكسر بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة وخص الام بالاضافة استعظاما لحقها وترقيقا لقلبه واعتدادا لنسبها واشارة الى انهما من بطن واحد والا فالجمهور على انهما لاب وأم قال بعض الكبار كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة كما قال تعالى وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا ولذا ناداه بامه إذ كانت الرحمة للام أوفر ولذا صيرت على مباشرة التربية وفى التأويلات النجمية لما رأى هارون موسى رجع من تلك الحضرة سكران الشوق ملآن الذوق وفيه نخوة القربة والاصطفاء والمكالمة ما وسعه الا التواضع والخشوع فقال يا ابن أم تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي
اى بشعر رأسى وخاطبه بيا ابن أم لمعنيين أحدهما ليأخذه رأفة صلة الرحم فيسكن غضبه والثاني ليذكره بذكر امه الحالة التي وقعت له فى الميقات حين سأل ربه الرؤية فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا وجاء الملائكة فى حال تلك الصعقة يجرون برأسه ويقولون يا ابن النساء الحيض ما للتراب ورب الأرباب: قال الحافظ
برو اين دام بر مرغ دكر نه ... كه عنقا را بلند است آشيانه
وقال
عنقا شكار كس نبود دام باز چين ... كآنجا هميشه باد بدستست دام را
- روى- انه أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله من شدة غيظه وغضبه لله وكان حديدا متصلبا فى كل شىء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل ففعل ما فعل بمرأى من قومه اى بمكان يراه قومه ويرون ما يفعل بأخيه نِّي خَشِيتُ
لو قاتلت بعضهم ببعض وتفرقوانْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ
برأيك وأراد بالتفريق ما يستتبعه القتال من تفريق لا يرجى بعده الاجتماع وفى الجلالين خشيت ان فارقتهم واتبعتك ان يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضا فتقول أوقعت الفرق فيما بينهم لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
لم تحفظ وصيتي فى حسن الخلافة عليهم يريد به قوله اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ فان الإصلاح ضم النشر وحفظ جماعات الناس والمداراة بهم الى ان ترجع إليهم وترى فيهم ما ترى فتكون أنت المتدارك للامر بنفسك المتلافى برأيك لاسيما وقد كانوا فى غاية القوة ونحن على القلة والضعف كما يعرف عنه قوله إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي وفى العيون اى لم تنظر فى امرى او لم تنتظر قدومى وفى التأويلات النجمية يعنى منعنى ترقب قولك وإطاعة أمرك عن اتباعك لا عصيان أمرك انتهى وهذا الكلام من هارون اعتذار والعذر تحرى الإنسان ما يمحوبه ذنوبه وذلك ثلاثة اضرب ان يقول لم افعل او يقول فعلت لاجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا او يقول فعلت ولا أعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر دون العكس وكان هارون