قاطع على ان التوجه الى الكعبة هو الحق ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ عنادا ومكابرة وهذا في حق قوم معينين علم الله انهم لا يؤمنون فان منهم من آمن وتبع القبلة وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ حسم لاطماعهم إذ كانوا تناجوا في ذلك وقالوا لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو ان يكون صاحبنا الذي ننتظره وطمعوا في رجوعه الى قبلتهم وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ فان اليهود تستقبل الصخرة والنصارى مطلع الشمس لا يرجى توافقهم كما لا يرجى موافقتهم لك لتصلب كل فريق فيما هو فيه فالمحق منهم لا يزل عن مذهبه لتمسكه بالبرهان والمبطل لا يقلع عن باطله لشدة شكيمته فى عناده وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ جمع هوى وهو الارادة والمحبة اى ولئن وافقتهم في مراداتهم بان صليت الى قبلتهم مداراة لهم وحرصا على ايمانهم مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ اى من بعد ما علمت بالوحى القاطع ان قبلة الله هي الكعبة إِنَّكَ إِذاً حرف جواب وجزاء توسطت بين اسم ان وخبرها لتقرير ما بينهما من النسبة لَمِنَ الظَّالِمِينَ اى المرتكبين الظلم الفاحش وهذه الجملة الشرطية الفرضية واردة على منهاج التهييج والالهاب للثبات على الحق وفيه لطف للسامعين وتحذير لهم عن متابعة الهوى فان من ليس من شانه ذلك إذا نهى عنه ورتب على فرض وقوعه ما رتب من الانتظام في سلك الراسخين في الظلم فما ظن من ليس كذلك: قال في المثنوى
تازه كن ايمان نه از كفت زبان ... اى هوا را تازه كرده در نهان
تا هوا تازه است ايمان تازه نيست ... كين هوا جز قفل آن دروازه نيست
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ إيتاء فهم ودراسة وهم الأحبار يَعْرِفُونَهُ اى الرسول صلّى الله عليه وسلم كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ اى يعرفونه صلّى الله عليه وسلم باوصافه الشريفة المكتوبة في كتابهم لا يشتبه عليهم كما لا يشتبه أبناؤهم وتخصيصهم بالذكر دون ما يعم البنات لكون الذكور أشهر واعرف عندهم منهن وهم بصحبة الآباء ألزم وبقلوبهم ألصق فان قيل لم لم يقل كما يعرفون أنفسهم مع ان معرفة الشخص نفسه اقرب اليه من معرفة سائر الأشياء فالجواب ما قال الراغب لان الإنسان لا يعرف نفسه الا بعد انقضاء برهة من دهره ويعرف ولده من حين وجوده وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ هم الذين كابروا وعاندوا الحق لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ان محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وان الكعبة قبلة الله والباقون هم الذين آمنوا منهم فانهم يظهرون الحق ولا يكتمونه واما الجهلة منهم فليست لهم معرفة بالكتاب ولا بما في تضاعيفه فما هم بصدد الإظهار ولا بصدد الكتم وانما كفرهم على وجه التقليد الْحَقُّ الذي أنت عليه يا محمد مِنْ رَبِّكَ خبر لقوله الحق فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ اى الشاكين في كون الحق من ربك هذا خطاب له صلّى الله عليه وسلم والمقصود خطاب أمته ونهيهم عن الامتراء ومعنى نهى الامة عن الامتراء أمرهم بضده الذي هو اليقين وطمانينة القلب قال القشيري حملهم مستكنات الحسد وسوء الاختيار على مكابرة ما علموا بالاضطرار وكذلك المغمور في ظلمات نفسه يلقى جلباب الحياء فلا ينجع فيه ملام ولا يرده عن انهماكه كلام قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى عندنا ثلاث مراتب. إحداها مرتبة التقليد