وهي لعامة الناس. والثانية مرتبة التحقيق والإيقان وهي للمجتهدين كالائمة الاربعة ومن يحذو حذوهم. والثالثة مرتبة المشاهدة والعيان فهى للكمل من اهل السلوك قال وإذا لم تتطهر النفس من الأخلاق الرديئة لا تحصل المعارف الإلهية وان كان كاملا في العقل والعلوم ألا يرى ان الشيطان مع عقله وعلمه كيف استكبر وعصى امر الله تعالى لما في نفسه من الكبر والحسد وكذلك حال اهل الكتاب في امر القبلة وشأن النبي صلّى الله عليه وسلم حيث لم ينفع العلم والمعرفة لخبث باطنهم فلا بد من تزكية النفوس وتصفية القلوب والاستقامة في باب الحق الى ان يأتى اليقين- حكى- ان يونس خدم شيخه طبق امره ثلاثين سنة بالصدق حتى تورم ظهره من نقل الحطب فلم يظهر وكان شيخه نظر له فثقل ذلك على سائر الطالبين وقالوا انه يخدم الشيخ على محبة بنته حتى تكلموا في ذلك الشيخ فلما اتى بالحطب قال شيخه نعم الحطب المستقيم يا يونس فقال ان غير المستقيم لا يليق بهذا الباب وما تكلموا في حقه ليس على وجه النفاق بل لما رأوا انهم لا يتحملون ما يتحمل يونس أشكل عليهم الأمر فحملوه على حب البنت وسؤال الشيخ ايضا وجواب يونس بهذا الوجه انما كان لارشادهم وازالة شبههم والا فالشيخ كان يعرف احوال يونس ولم يحصل له سوء ظن من كلامهم لان من كان مرشدا لا يعرف حال المريد بكلام الغير في المدح والذم ثم زوج الشيخ بنته له وقال حتى لا يكون الاخوان كاذبين ولا يحصل لهم الخجالة وكانت البنت متى قرأت القرآن يقف الماء فلم يمسها يونس الى آخر عمره وقال انا لا أليق بها فللسالك في مرتبة الطبيعة ان يترك مقتضاها ويقتصر على قدر الكفاية من الاكل والشرب ولا يتقيد بتدارك ما تشتهيه طبيعته فان الخير في مخالفتها ومن تربية النفس ان يجتنب عن حب الأموال والأولاد فانهما فتنة ومعينان لها على كبرها بكثرتهما واكثر الأنفس لا تحب صرفها بل تدخرها ليزداد استكبارها وقد قال تعالى يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ فمادام لم تصلح الطبيعة والنفس لا يصل الطالب الى مطلوبه ففى الحج اشارة الى ذلك فان قاصد البيت المكرم يترك استراحة بدنه ويبذل ماله الى ان يصل الى مشاهدته فكذلك قاصد رب البيت يفنى عن جميع ما سواه ويكون فى توجهه وحدانيا هيولانيا حتى يشاهد ببصيرته ما يشاهد فالصلاة مستقبلا الى شطر المسجد الحرام عين التوجه الى الذات الاحدية لان الكعبة مثال صورى لحضرته تعالى
وان المراد من الاستقبال إليها الإقبال اليه تعالى مع انه لا يتقيد التوجه حقيقة لكن الاستقبال صورة رعاية للادب ودور مع الأمر الإلهي فان لله تعالى في كل شىء حكمة ومصلحة ومن تخلص من القيود وانجذب الى الرب المعبود فقد تجلى له قوله فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ وظهر له سر الظاهر والمظهر
عاشقى ديد از دل پرتاب ... حضرت حق تعالى اندر خواب
دامنش را كرفت آن غمخور ... كه ندارم من از تو دست دكر
چون بر آمد ز خواب خوش درويش ... ديد محكم كرفته دامن خويش
فطوبى لمن دار مع الأمر الإلهي وسلم من الاعتراض وتخلص من الانقباض وفنى عن اضافة