تعالى قال ولم آكل أربعين يوما ولم ادخل على الجنيد وخرجت ولم اشرب وكنت على طهارتى فرأيت ظبيا فى البرية على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشان فلما دنوت من البئر ولى الظبى وإذا الماء فى أسفل البئر فمشيت وقلت يا سيدى مالى عندك محل هذا الظبى فسمعت من خلفى يقال جربناك فلم تصبر ارجع فخذ الماء ان الظبى جاء بلا ركوة ولا حبل وأنت جئت ومعك الركوة والحبل فرجعت فاذا البئر ملآن فملأت ركوتى فكنت اشرب منها وأتطهر الى المدينة ولم ينفد الماء فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد علىّ قال لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك والاشارة فى الآية ان لله تعالى دعاة يدعون الخلق بالحق الى الحق والذين يدعون لغير الحق لا يقبلون النصح إذا خرج من القلب الساهي ولا يتأثر فهم كمن بسط يده الى الماء اراءة للخلق بان يريد شربه وما هو ببالغه اى فمه فلا يحصل الشرب على الحقيقة وان توهم الخلق انه شارب وهذا مثل ضربه الله للدعاة من اهل الأهواء والبدع يدعون الخلق الى الله لغير الله فلا يستجابون على الحقيقة وان استجيبوا فى الظاهر لانهم استجابوا لهم على الضلال يدل عليه قوله وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ الخلق عن الحق كما فى التأويلات النجمية
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ حقيقة وهو بوضع الجبهة على الأرض مَنْ فِي السَّماواتِ يعنى الملائكة وأرواح الأنبياء والأولياء واهل الدرجات من المؤمنين وَالْأَرْضِ من الملائكة والمؤمنين من الثقلين طَوْعاً حال اى طائعين حالتى الشدة والرخاء وَكَرْهاً اى كارهين حالة الشدة والضرورة وذلك من الكافرين والمنافقين والشياطين ويقال من ولد فى الإسلام طوعا ومن سبى من دار الحرب كرها وفى الحديث (عجب ربك من قوم يساقون الى الجنة بالسلاسل) وفيه اشارة الى ان من اهل المحبة والوفاء من يطلب لدخول الجنة فيأبى ذلك طلبا للقيام بالخدمة فتوضع فى أعناقهم السلاسل من الذهب فيدخلون بها الجنة: قال الكمال الخجندي
نيست ما را غم طوبى وتمناى بهشت ... شيوه مردم نا اهل بود همت پست
وَظِلالُهُمْ على حذف الفعل اى ويسجد ظلال اهل السموات والأرض بالعرض اى تبعا لذى الظل ويجوز ان يراد بالسجود معناه المجازى وهو انقيادهم لاحداث ما اراده الله فيهم شاؤا او كرهوا وانقياد ظلالهم لتصريفه إياها بالمد والتقليص ونقلها من جانب الى جانب فالكل مذلل ومسخر تحت الاحكام والتقدير بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ الغدو جمع غداة وهى البكرة والآصال جمع اصيل وهو العشى من حين زوال الشمس الى غيبوبتها كما فى بحر العلوم وقال فى الكواشي وغيره الأصيل ما بين العصر وغروب الشمس والباء بمعنى فى ظرف ليسجد اى يسجد فى هذين الوقتين والمراد بهما الدوام لان السجود سواء أريد به حقيقته او الانقياد والاستسلام لا اختصاص له بالوقتين وتخصيصهما مع ان انقياد الظلال وميلانها من جانب الى جانب وطولها بسبب انحطاط الشمس وقصرها بسبب ارتفاعها لا يختص بوقت دون وقت بل هى مستسلمة منقادة لله تعالى فى عموم الأوقات لان الظلال انما تعظم وتكثر فيهما قال فى التأويلات النجمية وظلالهم اى نفوسهم فان النفوس ظلال الأرواح وليس السجود بالطوع من شأن النفوس لان النفس