للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤوب اوبا وإيابا رجع اى ان إلينا رجوعهم بالموت والبعث لا الى أحد سوانا لا استقلالا ولا اشتراكا كما قال تعالى ألا الى الله تصير الأمور واليه يرجع الأمر كله فتقديم الخبر للتخصيص والمبالغة فانه يفيد معنى أن يقال ان إيابهم ليس الا الى الجبار المقتدر على الانتقام كما ان مبدأهم وصدورهم كان منه وفيه تخويف شديد فان رجوع العبد العاصي المصر الى مالكه الغضوب فى غاية الصعوبة ونهاية العسرة وجميع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى من كما ان افراده فيما سبق باعتبار لفظها ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ فى المحشر لا على غيرنا فنحن نحاسبهم على النقير والقطمير من نياتهم وأعمالهم وثم للتراخى فى الرتبة لا فى الزمان فان الترتب الزمانى بين إيابهم وحسابهم لا بين كون إيابهم اليه تعالى وحسابهم عليه تعالى فانهما أمران مستمران قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله ان إلينا إيابهم فى الفضل ثم ان علينا حسابهم فى العدل وقال البقلى رحمه الله انظر كيف تفضل بعد الوعيد بأن جعل نفسه مآبهم وتكفل بنفسه حسابهم فينبغى أن يعيشوا بهذين الفضلين أطيب العيش فى الدارين ويطيروا من الفرح بهذين الخطابين. يقول الفقير ما قاله البقلى هو ما ذاقه العارفون بطريق المكاشفة فينبغى أن لا يغتر به العوام فانه قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله تعالى يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية انما خف الحساب فى الآخرة على قوم حاسبوا أنفسهم فى الدنيا وثقلت موازين قوم فى الآخرة وزنوا نفوسهم فى الدنيا ومحاسبة النفس تكون بالورع وموازنتها تكون بمشاهدة عين اليقين والتزين للعرض يكون بمخافة الملك الأكبر وعن على رضى الله عنه اما بعد فان المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فما نالك من الدنيا فلا تكثرنه فرحا وما فاتك منها فلا تتبعنه أسفا وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على ما خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما بعد الموت وفى الحديث ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا يخاف فى الله لومة لائم ولا يرآئى بشئ من عمله وإذا عرض له أمران أحدهما للدنيا ولآخر للآخرة آثر الآخرة على الدنيا وقال عليه السلام لو لم ينزل على الا هذه الآية لكانت تكفى ثم قرأ آخر سورة الكهف فمن كان يرجو لقاء ربه إلخ فكان هذا فصل الخطاب وبلاغا لأولى الألباب فالعمل الصالح الإخلاص بالعبادة ونفى الشرك بالخلق هو اليقين بتوحيد الخالق فما كان لله اى خالصا لاجله وبالله اى بمشاهدة قربه لا بمقارنة نفسه وهواه وفى الله اى سبيله وطلب ما عنده لا لاجل عاجل حظه فمقبول وأهله من المقربين وحسابهم حساب يسير بل لا حساب لهم تمت سورة الغاشية بعون الله ذى العطايا الفاشية فى السابع عشر من شهر مولد النبي عليه السلام من سنة سبع عشرة ومائة وألف

<<  <  ج: ص:  >  >>