للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموكلين لا تكتبا على عبدى فى حال ضجره شيأ ثم بين الله تعالى انهم كاذبون فى استعجال العذاب بناء على انه لو نزل بالإنسان ادنى شىء يكرهه لا يصبر عليه بل يتضرع الى الله فى إزالته عنه فقال وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ أصابه الضُّرُّ جنس الضر من مرض وفقر وغيرهما من الشدائد إصابة يسيرة دَعانا [بخواند ما را بإخلاص براى ازاله او] لِجَنْبِهِ اللام بمعنى على كما فى قوله تعالى يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ اى دعانا كائنا على جنبه اى مضطجعا او ملقى لجنبه على الأرض لما به من المرض واللام على بابها أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً وذلك ان من الضرر ما يغلب الإنسان ويجعله صاحب فراش يضطره الى الاضطجاع ومنه ما يكون أخف من ذلك ويجعله بحيث يقدر على القعود ومنه ما يتمكن الإنسان معه على القيام لا غير. ففائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع اصناف الضرر. ويجوز ان يكون لجميع الأحوال اى دعانا فى جميع أحواله مما ذكر وما لم يذكر لازالة ما يضر عنه فى حال ما من أحواله. وتخصيص المعدودات بالذكر لعدم خلو الإنسان عنها عادة فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ رفعناه وأزلناه بسبب إخلاصه فى الدعاء مَرَّ مضى على طريقته التي كان ينتحيها قبل مساس الضر ونسى حالة الجهد والبلاء واستمر على كفره كَأَنْ اى كأنه لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ اى مشبها بمن لم يدع الى كشف ضره فهو حال من فاعل مر وهذا وصف للجنس باعتبار حال بعض افراده ممن هو متصف بهذه الصفات كَذلِكَ اى مثل ذلك التزيين. فالكاف اسم منصوب المحل على انه صفة مصدر محذوف لقوله زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الاعراض عن التضرع والانهماك فى الشهوات حين انكشاف الضر عنهم. وسمى الكافر مسرفا لكونه مسرفا فى امر دينه متجاوزا عن الحد فى الغفلة عنه فانه لا شبهة فى ان المرء كما يكون مسرفا فى الانفاق فكذا يكون مسرفا فى اتباع الهوى وتضييع العمر فيما لا يعنيه بل يضره: قال الصائب

ازين چهـ سود كه در گلستان وطن دارم ... مرا كه عمر چونرگس بخواب ميگذرد

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ يعنى الأمم الماضية مثل قوم نوح وعاد مِنْ قَبْلِكُمْ متعلق باهلكنا وليس بحال من القرون لانه زمان اى أهلكناهم من قبل زمانكم يا اهل مكة لَمَّا ظَلَمُوا حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى والجوارح لا على ما ينبغى وَجاءَتْهُمْ اى والحال انهم قد جاءتهم رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ اى بالحجج الدالة على صدقهم وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا وما استقام لهم ان يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لهم وعلمه بانهم يموتون على كفرهم وهو عطف على ظلموا كأنه قيل لما ظلموا وأصروا على الكفر بحيث لم يبق فائدة فى إمهالهم أهلكناهم كَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل وإصرارهم عليه بحيث تحقق انه لا فائدة فى إمهالهم نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ نجزى كل مجرم ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ استخلفنا كم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر لان الله تعالى لا يحتاج فى العلم بأحوال الإنسان الى الاختبار والامتحان فى الحقيقة ولكن يعامل معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه لِنَنْظُرَ النظر فى اللغة عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي طلبا لرؤيته وهو فى حقه

<<  <  ج: ص:  >  >>