مستفرغين مجهودهم لما اجترأ الملوك على الفساد ولا ضمحل الظلم من بينهم رأسا وبالكلية ومن ثم قال النبي عليه السلام (لا تزال هذه الامة تحت يد الله وكنفه ما لم يمالئ قرّاؤها أمراءها) وانما ذكر القراء لانهم كانوا هم العلماء وما كان علمهم الا بالقرآن ومعانيهم الا بالسنة وماوراء ذلك من العلوم انما أحدثت بعدهم كذا فى بحر العلوم للشيخ على السمرقندي قدس سره يقول الفقير أصلحه الله القدير ذكر فى الاحياء ان من دخل على السلطان بلا دعوة كان جاهلا ومن دعى فلم يجب كان اهل بدعة وتحقيق المقام ان الركون فى الآية أسند الى المخاطبين والمخالطة وإتيان الباب والممالأة الى العلماء والقراء فكل منها انما يكون مذموما إذا كان من قبل العلماء واما إذا كان من جانب السلاطين والأمراء بان يكونوا مجبورين فى ذلك مطالبين بالاختلاط لاجل الانتفاع الديني فلا بأس حينئذ بالمخالطة لان المجبور المطالب مؤيد من عند الله تعالى خال عن الأغراض النفسانية بخلاف ما إذا كان مقارنا بالأغراض النفسانية فيكون موكولا الى نفسه فتختطفه الشياطين نعوذ بالله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ فى الأمر بافعال الخير جاء موحدا موجها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظاهر وان كان المأمور به من حيث المغني عاما وفى النهى عن المحظورات موجها الى غير الرسول مخاطبا به أمته فهذا من جليل البلاغة القرآنية والمراد باقامة الصلاة أداؤها وانما عبر عنه بها اشارة الى ان الصلاة عماد الدين طَرَفَيِ النَّهارِ اى غدوة وعشية وانتصابه على الظرفية لكونه مضافا الى الوقت فيعطى حكم المضاف اليه وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ منصوب على الظرفية لعطفه على طرفى النهار اى ساعات من الليل وهى الساعات القريبة من النهار فانه من ازلفه إذا قربه جمع زلفة كغرف جمع غرفة. والمراد بصلاة الغدوة صلاة الفجر. وبصلاة العشية الظهر والعصر لان ما بعد الزوال عشى. وبصلاة الزلف المغرب والعشاء وفيه دلالة بينة على اطلاق لفظ الجمع وهو الزلف على الاثنين فالآية مشتملة على الصلوات الخمس ونظيرها قوله تعالى فى سورة ق وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ اى بصلاة الصبح وَقَبْلَ الْغُرُوبِ اى بصلاة العصر والظهر فالعصر اصل فى ذلك الوقت والظهر تبع لها كما فى تفسير المناسبات وَمِنَ اللَّيْلِ فى بعض أوقاته فَسَبِّحْهُ بصلاتى المغرب والعشاء وفسر بعضهم طرفى النهار بالصبح والمغرب وزلف الليل بالعشاء والتهجد فانه كان واجبا عليه فيوافق قوله وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ او الوتر على ما ذهب اليه ابو حنيفة او مجموع العشاء والوتر والتهجد على ما يقتضيه ظاهر صيغة الجمع فى زلفا إِنَّ الْحَسَناتِ على الإطلاق لا سيما الصلوات الخمس يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ اى يكفرن الصغائر يعنى لا انها تذهب السيئات نفسها إذ هى قد وجدت بل ما كان يترتب عليها وفى الحديث الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنب الكبائر ويمنعن من اقترافها كقوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ- روى- فى سبب النزول ان أبا اليسر الأنصاري كان يبيع التمر فاتته امرأة فاعجبته فقال لها ان فى البيت أجود من هذا التمر فذهب بها الى نحو بيته فضمها الى نفسه وقبلها وفعل بها كل شىء الا الجماع فقالت له اتق الله فتركها وندم فاتى أبا بكر رضى الله عنه فاخبره فقال استر على نفسك وتب الى الله تعالى