فلم يصبر فاتى عمر رضى الله عنه فقال له مثل ذلك فلم يصبر ثم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره بما فعل فقال (انتظر امر ربى فاستر على نفسك) فلما صلى صلاة العصر نزلت هذه الآية فقال عليه السلام (صليت العصر معنا) قال نعم فقال (اذهب فانها كفارة لما فعلت) فقال الحاضرون من الصحابة (هذا له خاصة أم للناس عامة) قال (بل للناس كافة) وفى الحديث (أرأيتم لو ان نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من دونه شىء) قالوا لا قال (فذلك مثل صلاة الخمس يمحو الله بها الخطايا) واعلم ان الذنوب كلها نجاسات والطاعات مطهرات وبماء أعضاء الوضوء تتساقط الأوزار ولذا كانت الغسالة فى حكم النجاسة. ومن هنا أخذ بعض الفقهاء كراهة الصلاة بالخرقة التي يتمسح بها أعضاء الوضوء وقال الله تعالى لموسى عليه السلام (يا موسى يتوضأ احمد وأمته كما
امرتهم وأعطيهم بكل قطرة تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء) فانظر الى ما سلبه الوضوء وجلبه: قال الحافظ
خوشا نماز ونياز كسى كه از سر درد ... بآب ديده وخون جگر طهارت كرد
واحسن الحسنات وأفضل الطاعات العلم بالله وطريقه التوحيد وخلاف هوى النفس فبذكر الله يتخلص العبد من الذنوب وبه يحصل تزكية النفوس وتصفية القلوب وبه يتقوى العبد على طاعة الرحمن ويتخلص من كيد الشيطان قالوا يا رسول الله لا اله الا الله من الحسنات قال (هى احسن الحسنات) وفى الآية اشارة الى ادامة الذكر والطاعة والعبادة فى الليل والنهار الا ان يكون له ضرورة من الحاجات الانسانية فيصرف بعض الأوقات إليها كطلب المعاش فى النهار والاستراحة فى الليل فانه يحصل للقوى البشرية والحواس كلال فيلزم دفعه بالمنام ليقوم فى أثناء الليل نشيطا للذكر والطاعة إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ اى ان أنوار الحسنات وهى الأعمال الصالحة والذكر والمراقبة طرفى النهار وزلفا من الليل يذهبن ظلمات سيآت الأوقات التي تصرف فى قضاء الحوائج النفسانية الانسانية وما يتولد من الاشتغال بها واعلم ان تعلق الروح النورانى العلوي بالجسد الظلماني السفلى موجب لخسران الروح الا ان تتداركه أنوار الأعمال الصالحة الشرعية فتربى الروح وترقيه من حضيض البشرية الى ذروة الروحانية بل الى الوحدانية الربانية وتدفع عنه ظلمة الجسد السفلى كما ان إلقاء الحبة فى الأرض موجب لخسران الحبة الا ان يتداركها الماء فيربيها الى ان تصير الحبة الواحدة الى سبعمائة حبة والله يضاعف لمن يشاء فعلى العاقل ان يصبر على مشاق الطاعات والعبادات فان له فيها أنوار او حياة باقية
مده براحت فانى حيات باقى را ... بمحنت دو سه روز از غم ابد بگريز
ذلِكَ اى المذكور من الاستقامة والاقامة وغيرهما ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ اى موعظة للمتعظين فمن امتثل الى امر الله تعالى فاستقام واقام فقد تحقق بحقيقة الحال والمقام قال بعض الحكماء علامة الذي استقام ان يكون مثله كمثل الجبل لان الجبل له اربع علامات. احداها ان لا يذيبه الحر. والثانية ان لا يجمده البرد. والثالثة ان لا تحركه الريح. والرابعة ان لا يذهب به السيل فكذا المستقيم إذا احسن اليه انسان لا يحمله إحسانه على ان يميل اليه بغير الحق كما يفعله ارباب الجاه والمناصب فى هذا الزمان فانهم بالشيء اليسير من الدنيا الواصل إليهم من يد رجل