منزل طالوت فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت قال لهم النبي ان آية ملكه انكم تجدون التابوت في داره فلما وجدوه عنده أيقنوا بملكه فالاتيان على هذا مجاز لانه اتى به ولم يأت هو بنفسه فنسب الإتيان اليه توسعا كما يقال ربحت التجارة وعلى الوجه الاول حقيقة فِيهِ اى في إتيان التابوت سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ اى سكون لكم وطمأنينة كائنة من ربكم او الضمير للتابوت قال بعض المحققين السكينة تطلق على ثلاثة أشياء بالاشتراك اللفظي. أولها ما اعطى بنوا إسرائيل في التابوت كما قال تعالى إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ قال المفسرون هي ريح ساكنة طيبة تخلع قلب العدو بصوتها رعبا إذا التقى الصفان وهي معجزة لانبيائهم وكرامة لملوكهم. والثانية شىء من لطائف صنع الحق يلقى على لسان المحدث الحكمة كما يلقى الملك الوحى على قلوب الأنبياء مع ترويح الاسرار
وكشف السر. والثالثة هي التي أنزلت على قلب النبي عليه السلام وقلوب المؤمنين وهي شىء يجمع نورا وقوة وروحا يسكن اليه الخائف ويتسلى به الحزين كما قال تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وقال بعضهم التابوت هو القلب والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص وذكر الله الذي تطمئن اليه القلوب وإتيانه تصيير قلبه مقر العلم والوقار بعد ان لم يكن كذلك وَبَقِيَّةٌ كائنة مِمَّا من للتبعيض تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ هما رضاض الألواح وعصا موسى من آس الجنة وثيابه ونعلاه وعمامة هارون وشىء من التوراة وخاتم سليمان وقفيز من المن وهو الترنجبين الذي كان ينزل على بنى إسرائيل ويأكلونه في ارض التيه. وآلهما أنفسهما والآل مقحم او انباؤهما او اتباعهما تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ حال من التابوت اى ان آية ملكه إتيانه حال كونه محمولا للملائكة او استئناف كأنه قيل كيف يأتى فقيل تحمله الملائكة ثم ان التابوت لم تحمله الملائكة في الروايتين بل نزل من السماء الى الأرض بنفسه والملائكة كانوا يحفظونه في الرواية الاولى واتى به على العجلة وعلى الثورين بسوق الملائكة على الرواية الاخيرة وانما أضيف الحمل في القولين جميعا الى الملائكة لان من حفظ شيأ في الطريق جاز ان يوصف بانه حمل ذلك الشيء وان لم يحمله بل كان الحامل غيره كما يقول القائل حملت الامتعة الى زيد إذا حفظها في الطريق وان كان الحامل غيره إِنَّ فِي ذلِكَ يحتمل ان يكون من تمام كلام النبي وان يكون ابتداء خطاب من الله اى في رد التابوت ايها الفريق لَآيَةً عظيمة لَكُمْ دالة على ملك طالوت وصدق قول نبيكم في ان الله جعله ملكا فانه امر مناقض للعادة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مصدقين بالله فصدقوا بتمليكه عليكم وفي الآية اشارة الى ان آية ملك الخلافة للعبد ان يظفر بتابوت قلب فيه سكينة من ربه وهي الطمأنينة بالايمان والانس مع الله وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون وهي عصا الذكر كلمة لا اله الا الله وهي كلمة التقوى وهي الحية التي إذا فتحت فاها تلقف سحرة صفات فرعون النفس فعصا ذكر الله في تابوت القلوب وقد أودعها الله بين إصبعي جماله وجلاله كما قال عليه السلام (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) فبصفة الجلال يلهمها فجورها وبصفة الإكرام يلهمها تقواها كما قال تعالى فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ولم يستودعها ملكا مقربا ولانبيا مرسلا فشتان بين امة سكينتهم فيما للاعداء عليه تسلط وبين امة