إليها ليستدلوا بها على قدرة الله تعالى مُسَخَّراتٍ مذللات للطيران بما خلق لها من الاجنحة والأسباب المساعدة له. وفيه مبالغة من حيث ان التسخير جعل الشيء منقادا للآخر يتصرف فيه كيف يشاء كتسخير البحر والفلك والدواب للانسان والواقع هنا تسخير الهواء للطير لتطير فيه كيف تشاء فكان مقتضى طبيعة الطير السقوط فسخرها الله للطيران وفيه تنبيه على ان الطيران ليس بمقتضى طبع الطير بل ذلك بتسخير الله تعالى وكذا إحراق النار وإهلاك البرد ليسا بذاتهما بل بتأثير الله تعالى وعلى هذا فِي جَوِّ السَّماءِ فى الهواء غير متباعد من الأرض وإضافته الى السماء لما انه فى جانبها من الناظر قال فى القاموس الجو الهواء ما يُمْسِكُهُنَّ فى الجو عن السقوط حين قبض أجنحتهن وبسطها ووقوفهن إِلَّا اللَّهُ بقدرته الواسعة وتدبيره لهن من الريوش الكبار والصغار فان ثقل جسدها ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها ولا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها تمسكها والهواء للطائر كالماء للسابح فهو يقبض يديه ويبسطها ولا يغرق مع ثقل جسده ورقة الماء واعجب من ذلك وادل فيه على القدرة الباهرة تعشيش بعض الطير فى الهواء ومن اخبار الرشيد أنه خرج يوما للصيد فارسل بازا اشهب فلم يزل يعلو حتى غاب فى الهواء ثم رجع بعد اليأس منه ومعه سمكة فاحضر الرشيد العلماء وسألهم عن ذلك فقال مقاتل يا امير المؤمنين روينا عن جدك ابن عباس رضى الله عنهما ان الهواء معمور بامم مختلفة الخلق فيه دواب بيض تفرخ فيه شيأ على هيئة السمك لها اجنحة ليست بذات ريش فاجاز مقاتلا على ذلك وأكرمه. ومن ذلك الطير الأبابيل التي رمت اصحاب الفيل بحجارة من سجيل وهى الطير السود على هيئة الخطاطيف. ومن ذلك ما يقال له بالفارسية [هما] فانه من سكان الهواء يبيض ويفرخ فيه وليس له رجل وهو فى جثة العقعق الا انه سكرى اللون ويوجد جسده بعد وفاته فى صحارى الهند. ومن عجائب الطيور الرخ بالضم وهو طير فى جزائر الصين يكون جناحه الواحد عشرة آلاف باع قال فى القاموس هو طائر كبير يحمل الكركدان انتهى وكان وصل الى المغرب رجل من التجار ممن سافر فى بحر الصين وألقتهم الريح الى جزيرة عظيمة فخرج إليها اهل السفينة ليأخذوا الماء والحطب فرأوا قبة عظيمة أعلى من مائة ذراع لها لمعان وبريق فعجبوا منها فلما دنوا منها إذا هى بيضة الرخ فجعلوا يضربونها بالخشب والفؤوس والحجارة حتى انشقت عن فرخ كأنه جبل فتعلقوا بريش جناحه فجروه فنفض جناحه فبقيت هذه الريشة معهم خرج أصلها من جناحه ولم يكمل بعد خلقه نقتلوه وحملوا ما قدروا عليه من لحمه فلما طلعت الشمس إذ الرخ قد اقبل فى الهواء كالسحابة العظيمة فى رجله قطعة حجر كالبيت العظيم اكبر من السفينة فلما حاذى السفينة القى
ذلك الحجر بسرعة فوقع الحجر فى البحر وسبقت السفينة وتجاهم الله تعالى بفضله ورحمته كذا فى حياة الحيوان إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكر من تسخير الطير للطيران بان خلقها خلقة يمكن معها الطيران بان جعل لها اجنحة خفيفة واذنابا كذلك وخلق الجوّ بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها فى الهواء على خلاف طباعها لَآياتٍ [نشانها ظاهرست] لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ اى من شأنهم ان يؤمنوا وانما