للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستمروا على ذلك فى هذه المدة المتطاولة إذ هو الذي يعقبه الانجاء والإغراق لا مجرد التكذيب- روى- ان نوحا عليه السلام دعا بهلاك قومه فامره الله تعالى بصنع الفلك فلما تم دخل فيه مع المؤمنين فارسل الله الطوفان وأغرق الكفار وأنجى نوحا مع المؤمنين فذلك قوله تعالى فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين وكانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة فِي الْفُلْكِ متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الظرف اى والذين استقروا معه فى الفلك وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى استمروا على تكذيبها وليس المراد بهم الملأ المتصدين للجواب فقط بل كل من أصر على التكذيب منهم ومن أعقابهم. وتقديم ذكر الانجاء على الإغراق للايذان بسبق الرحمة التي هى مقتضى الذات وتقدمها على الغضب الذي يظهر اثره بمقتضى جرائمهم إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ أصله عميين جمع عم أصله عمى على وزن خضر فأعل كاعلال قاض قال اهل اللغة يقال رجل عم فى البصيرة وأعمى فى البصر والمعنى عمين قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد غير مستبصرين وهذا العمى مانع عن رؤية الآيات ومشاهدة البينات: قال الحافظ

جمال يار ندارد نقاب و پرده ولى ... غبار ره بنشان تا نظر توانى كرد

بخلاف

أعمى البصر إذا كان مستعدا للنظر فانه كم من أعمى قادر على الرؤية من حيث الحقيقة: قال الصائب

دل چوبيناست چهـ غم ديده اگر نابيناست ... خانه آيينه را روشنى از روزن نيست

وفى الآية اشارة الى نوح الروح الذي أرسله الله الى قومه ببلاد القالب وهو القلب وصفاته والنفس وصفاتها ومن صفة الروح العبودية والطاعة ودعوة القلب والنفس وصفاتهما الى الله وعبوديته ومن صفات النفس وشأنها تكذيب الروح ومخالفته والإباء عن قبول نصحه والروح يحذر قومه من عبادة الدنيا وزينتها لئلا يحرموا من مساعدة الرحمة فكذبه قومه من النفس وصفاتها فانجينا الروح من ظلمات النفس وتمردها والذين معه وهم القلب وصفاته الذين قبلوا دعوة نوح الرسول وركبوا معه فى الفلك وهو فلك الشريعة والدين فاغرقنا الذين كذبوا بآياتنا اى النفس وصفاتها فى بحر الدنيا وشهواتها انهم كانوا قوما عمين عن رؤية الله والوصول اليه هذه حال الأنفس والآفاق وأهليهما ولو أصغوا الى داعى الحق واجتنبوا عما ارتكبوا لنجوا كما حكى ان الشيخ بقا رضى الله عنه كان يوما جالسا على شط نهر الملك فمرت به سفينة فيها جند ومعهم خمر وفواكه ونساء متبرجات وصبيان ومغانى وهم فى غاية من اللهو والطغيان فقال الشيخ بقا للملاح اتق الله وقدم الى الله فلم يلتفتوا الى كلامه فقال ايها النهر المسخر خذا الفجرة فنما الماء عليهم حتى طلع الى السفينة فاشرفوا على الغرق فصاحوا بالشيخ وأعلنوا بالتوبة فعاد الماء الى حاله وحسنت توبتهم وكانوا بعد ذلك يكثرون من زيارته: قال الحافظ

امروز قدر پند عزيزان شناختم ... يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد

فعلى العاقل ان يقبل النصيحة ممن فوقه ودونه فان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ونعم ما قال السعدي قدس سره

<<  <  ج: ص:  >  >>