الملائكة قياما فى الهواء ورأى العرش بارزا وسمع صرير القلم وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ من غير واسطة وكيفية كما يكلم الملائكة وكان جبريل معه فلم يسمع ما كلمه ربه ولذا خص باسم الكليم لاختصاصه بذلك من بين البشر فان سائر الأنبياء عليهم السلام انما يكلمهم الله بواسطة الكتاب والملك فان قيل بأى شىء علم موسى انه كلام الله قيل لم ينقطع كلامه بالنفس مع الحق كما ينقطع مع المخلوق بل كلمه بمدد وحداني غير منقطع شاهد نفسه بمنزلة الآلة عند الصانع والآلة يحركها الأستاذ كيف يشاء لانه ليس للآلة تصنع وتعمل وقيل علم انه كلام الحق وميزه عن غيره بانه سمع الكلام من الجوانب الستة فصارت جميع جوارحه كسمعه فصار الوجود كله سمعا فوجد لذة الكلام بوجوده كما وجدها بسمعه قال ابن الشيخ فى حواشيه كلامه تعالى صفة ازلية قائمة بذاته ليست من جنس هذه الحروف والأصوات وكما لا تبعد رؤيته تعالى مع ان ذاته ليست جسما ولا عرضا فكذلك
لا يبعد سماع كلامه مع كونه ليس من جنس الحرف والصوت انتهى وفى حل الرموز المؤمن فى الآخرة وجه محض وعين محض وسمع محض ينظر من كل جهة وبكل جهة وعلى كل جهة وكذا يسمع بكل عضو من كل جهة بغير جهة خاصة وإذا شاهد الحق يشهده بكل وجه ليس فيه من الجهات ولا يحتجب سمعه وبصره بالجهات كما أشار سبحانه بقوله (كنت سمعه وبصره) والكامل الواصل له حكم الآخرة فى الدنيا كما قال سيد الواصلين (موتوا قبل ان تموتوا وحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا) انتهى يقول الفقير هذا ليس بمحل الجرح والإنكار لان الله تعالى وان خلق حاسة السمع لادراك الأصوات لكن يجوز ان يدرك بحاسة ما يدرك بحاسة اخرى كما ذهب اليه علماء الكلام لان ذلك الإدراك بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير للحواس فلا يمتنع ان يخلق عقيب صرف الباصرة ادراك الأصوات مثلا فثبت ان كل عضو من الأعضاء الانسانية يجوز ان يخلق الله تعالى فيه ما خلق فى السمع من ادراك الأصوات ان قيل لم لم يكلم الله سائر الأنبياء مشافهة الا موسى قيل لانه لم يكن لهم من الأعداء ما لموسى كفرعون وهامان وقارون واليهود ولم يكن قوم أسوأ أدبا وأقسى قلبا من قومه فخصه الله بكلامه ألا ترى سحرة القبط آمنوا فى أول دعوته وكفر قوم من اليهود بعد مشاهدتهم معجزات كثيرة فايده الله بكلامه ليتحمل به ما امتحن به من البلايا فى قومه يقول الفقير كون عدو موسى أقوى وأشد انما هو بالنسبة الى اعداء الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم فانه قد ثبت ان فرعون آمن عند الغرق واما ابو جهل فلا بل اظهر العداوة عند النزع فاعتبر منه قوة حاله وعلو مقامه صلى الله عليه وسلم فى المكالمة والرؤية ليلة المعراج وفى الحديث (ناجى موسى ربه بمائة الف وأربعين الف كلمة فى ثلاثة ايام وصايا كلها) كذا فى الوسيط وقال بعضهم كلم الله موسى أربعين يوما وليلة وهذا والله اعلم غير الأربعين المتقدمة على الوحى والتعليم وعن فضيل بن عياض قال حدثنى بعض أشياخي ان إبليس جاء الى موسى وهو يناجى ربه فقال الملك ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحال يناجى ربه قال أرجو منه مارجوت من أبيه آدم وهو فى الجنة وكذا قال السدى لما كلم الله موسى غاص الخبيث إبليس فى الأرض حتى خرج من بين يدى موسى فوسوس اليه ان مكلمك