فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ عند التجلي فَسَوْفَ تَرانِي ببصر انانيتك فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جبل انانيته جَعَلَهُ دَكًّا فانيا كان لم يكن وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً بلا انانية وكان ما كان بعد ان بان ما بان فأشرقت الأرض بنور ربها وجاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا
قد كان ما كان سرا لا ابوح به ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
ولو لم يكن جبل انانية النفس بين موسى الروح وتجلى الرب لطاش فى الحال وما عاش ولولا القلب كان خليفته عند الفناء بالتجلى لما امكنه الافاقة والرجوع الى الوجود فافهم جدا ولو لم يكن تعلق الروح بالجسد لما استسعد بالتجلى ولا بالتحلي تفهم ان شاء تعالى فَلَمَّا أَفاقَ من غشية الانانية بسطوة تجلى الربوبية قالَ موسى بلا هويته سُبْحانَكَ تنزيها لك من خلقك واتصال الخلق بك تُبْتُ من انانيتى إِلَيْكَ الى هويتك بك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بانك لا ترى بالانانية ولا ترى الا بنور هويتك بك انتهى وقال القشيري وَلَمَّا جاءَ مُوسى مجيىء المشتاقين ومجيىء المغلوبين جاء موسى بلا موسى ولم يبق من موسى لموسى وآلاف آلاف رجال قطعوا مسافات وتحملوا مخافات فلم يذكرهم أحد وهذا موسى خطى خطوات والى يوم القيامة يقرأ الصبيان ولما جاء موسى لميقاتنا باسطه الحق بالكلام فلم يتمالك ان قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فان غلبات الوجد استنطقته بكمال الوصلة من الشهود وقالوا لا يؤاخذ المغلوب بما يقول وقالوا انه لا يشكر ثم ينكر قال وأشد الخلق شوقا الى الحبيب أقربهم من الحبيب هذا موسى وقف فى محل المناجاة وحفت به الكرامات وكلمه بلا واسطة ولا جهات قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كأنه غائب هو شاهد لكن ما ازداد القوم شربا الا ازدادوا عطشا ولا ازدادوا قربا الا ازدادوا شوقا وقال سأل موسى الرؤية بالكلام فاجيب لَنْ تَرانِي بالكلام واسر المصطفى فى قلبه ما كان يرجوه من تحويل القبلة من ربه فقيل له قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها وقال انه سأل الله الرؤية فقال لَنْ تَرانِي وقال للخضر هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً فصار جوابه لن من الحق ومن الخلق ليبقى موسى بلا موسى ويصفو موسى عن كل نصيب لموسى بموسى وانشد فى معناه فقيل
والبلاء الذي ورد عليه بقوله تعالى فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا أشد من قوله لَنْ تَرانِي لانه صريح فى الرؤية وفى اليأس راحة وقوله فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي هذا اطماع فيما يمنعه فلما اشتد توقعه جعل الجبل دكا وكان قادرا على إمساك الجبل لكنه قهر الأحباب وبه سبق الكتاب وفى قوله انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ بلاء شديد لموسى لانه منع عن رؤية مقصوده وامر برؤية غيره ولوامر بان يغمض عينيه لا ينظر الى شىء بعده لكان الأمر أسهل عليه ولكنه قيل له لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ثم أشد من ذلك ان الجبل اعطى التجلي ثم امر موسى عليه السلام بالنظر الى الجبل الذي قدم عليه فى هذا السؤال وهذا
صعب شديد ولكن موسى رضى به وانقاد لحكمه وفى معناه انشدوا