التوحيد كان ينظر بنور الوحدة فيرى الأشياء كلها من عند الله فرأى سفاهة القوم وما صدر منهم من آثار صفة قهره فتنة واختبارا لهم فلما دارت كؤوس شراب المكالمات وسكر موسى باقداح المناجاة زل قدمه على بساط الانبساط فقال إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ اى تزيغ قلب من تشاء بإصبع صفة القهر وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ اى تقيم قلب من تشاء بإصبع صفة اللطف أَنْتَ وَلِيُّنا اى المتولى لامورنا والناصر فى هدايتنا فَاغْفِرْ لَنا ما صدر منا وَارْحَمْنا بنعمة الرؤية التي سألنا كها وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ اى خير من يستر على ذنوب المذنبين يعنى انهم يسترون الذنب ولا يعطون سؤلهم فانت الذي تستر الذنب وتبدله بالحسنات وتعطى سؤل اهل الزلات وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً يعنى حسنة الرؤية كما كتبت لمحمد عليه السلام ولخواص أمته هذه الحسنة فى الدنيا وفى الآخرة يعنى خصنا بهذه الفضيلة فى الدنيا وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ رجعنا إليك فى طلب هذه الفضيلة بالسر لا بالعلانية وأنت الذي تعلم السر والأخفى وأجابهم الله تعالى سرا بسر وإضمارا بإضمار قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ اى بصفة قهرى آخذ من أشاء وبقراءة من قرأ من أساء اى من أساء فى الأدب عند سؤال الرؤية حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله
جهرة آخذهم على سوء أدبهم فادبهم بتأديب عذاب الفرقة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ نعمة وإيجادا وتربية فَسَأَكْتُبُها يعنى حسنة الرؤية والرحمة بها التي أنتم تسألونها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعنى يتقون بالله عن غيره ويؤتون من نصاب هذا المقام الزكاة الى طلابه وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ يعنى الذين هم يؤمنون بانوار شواهد الآيات لا بالتقليد بل بالتحقيق وهم خواص هذه الامة كما عرف أحوالهم وصرح أعمالهم بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وفيه اشارة الى ان فى أمته من يكون مستعدا لاتباعه فى هذه المقامات الثلاثة وهى مقامات الرسالة والنبوة التي هى مشتركة بينه وبين الرسول والأنبياء والمقام الأمي الذي هو مخصوص به صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء والرسل عليهم السلام ومعنى الأمي انه أم الموجودات واصل المكونات كما قال (أول ما خلق الله روحى) وقال حكاية عن الله (لولاك لما خلقت الكون) فلما كان هو أول الموجودات وأصلها سمى اميا كما سميت مكة أم القرى لانها كانت مبدأ القرى وأصلها وكما سمى أم الكتاب اما لانه مبدأ الكتب وأصلها فاما اتباعه فى مقام الرسالة والنبوة فبان يأخذ ما آتاه الرسول وينتهى عما نهاه عنه كما قال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فان الرسالة تتعلق واحكام الظاهر والنبوة تتعلق بأحوال الباطن فللعوام شركة مع الخواص فى الانتفاع من الرسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة فمن ادى حقوق احكام الرسالة فى الظاهر يفتتح له بها احوال النبوة فى الباطن من مقام تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية وربما يؤول حاله الى ان يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق الى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما قال عليه السلام (علماء أمتي كانبياء بنى إسرائيل) يشير الى هذا القوم وذلك ان المتقدمين من بنى إسرائيل فى زمن الأنبياء عليهم السلام لما وصلوا الى مقام