تعالى وكبريائه وفى الحديث (ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من ان تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر الله) اى ما هو خير لكم مما ذكر ذكر الله سبحانه لان ثواب الغزو والشهادة فى سبيل الله حصول الجنة والذاكر جليس الحق تعالى كما قال (انا جليس من ذكرنى) والجليس لا بد ان يكون مشهودا فالحق مشهود الذاكر وشهود الحق أفضل من حصول الجنة ولذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وكمال تلك النعمة. والذكر المطلوب من العبدان يذكر الله باللسان ويكون حاضرا بقلبه وروحه وجميع قواه بحيث يكون بالكلية متوجها الى ربه فتنتفى الخواطر وتنقطع أحاديث النفس عنه. ثم إذا داوم عليه ينتقل الذكر من لسانه الى قلبه ولا يزال يذكر بذلك حتى يتجلى له الحق من وراء أستار غيوبه فينور باطن العبد بحكم وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ويعده الى التجليات الصفاتية والاسمائية ثم الذاتية فيفنى العبد فى الحق فيذكر الحق نفسه بما يليق بجلاله وجماله فيكون الحق ذاكرا ومذكورا وذلك بارتفاع الثنوية وانكشاف الحقيقة الاحدية كذا فى شرح الفصوص لداود القيصري فى الكلمة اليونسية
چون تجلى كرد أوصاف قديم ... پس بسوزد وصف حادث را كليم
واعلم ان من اشتغل باسم من الأسماء وداوم فيه فلا ريب ان يحصل بينه وبين سر هذا الاسم المشتغل به وروحه بعناية الله تعالى وفضله مناسبة ما بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة وكملت بحسب قوة الاشتغال وكماله يحصل بينه وبين مدلوله من الأسماء الحقية بواسطة هذه المناسبة الحاصلة مناسبة بقدرها قوة وكمالا ومتى بلغت الى حد الكمال ايضا هذه المناسبة الثانية الحاصلة بينه وبين هذا الاسم بجود الحق سبحانه وعطائه يحصل بينه وبين مسماه الحق تعالى مناسبة بمقدار المناسبة الثانية من جهة القوة والكمال لان العبد بسبب هذه المناسبة يغلب قدسه على دنسه ويصير مناسبا لعالم القدس بقدر ارتفاع حكم الدنس فحينئذ يتجلى الحق سبحانه له من مرتبة ذلك الاسم بحسبها وبقدر استعداده ويفيض عليه ما شاء من العلوم والمعارف والاسرار الالهية والكونية حسبما يقتضيه الوقت ويسعه
الموطن وتستدعيه القابلية فيطلع بعد ذلك على ما لم يطلع عليه قبله فيحصل له العلم والمعرفة بعد الجهل والغفلة كذا فى حواشى تفسير الفاتحة لحضرة شيخنا الاجل أمدنا الله بمدده الى حلول الاجل واتفق المشايخ والعلماء بالله على ان من لا ورد له لا وارد له وانقطاعه عن بعض ورده بسبب من الأسباب سوى السفر والمرض والهرم والموت علامة البعد من الله تعالى والخذلان. فينبغى لمن كان له ورد ففاته ذلك ان يتداركه ويأتى به ولو بعد أسبوع ومن هنا تقضى الصوفية التهجد مع انه ليس من الفرائض والسر فى هذا ان المراد من الأوراد بل من سائر العبادات تغيير صفات الباطن وقمع رذائل القلب وآحاد الأعمال يقال آثارها بل لا يحس بآثارها وانما يترتب الأثر على المجموع وإذا لم يكن يعقب العمل الواحد اثرا محسوسا ولم يردف بثان وثالث على القرب والتوالي انمحى الأثر الاول ايضا ولهذا السر قال صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال الى الله أدومها وان قل) اى العمل قال ابن ملك وانما كان العمل الذي يداوم عليه أحب لان النفس تألف به ويدوم بسببه الإقبال على الله تعالى ولهذا ينكر اهل التصوف ترك الأوراد كما ينكرون